نغم نزار*
عندما نتحدث عن الفن وتعريفه، فإننا نجد أن البحث عن الجمال والتعبير عنه يشكّل جوهره. وإذا كان الجمال يتجسد في العديد من العناصر والمفاهيم، فإن الجسد يعد الجمال الأول والأكثر قدرة على إثارة التأمل والتعبير عنه.
فالجسد هو المادة التي يتجسد فيها الإنسان، ومن خلاله يتفاعل مع العالم ويعبر عنه. ولذلك، يجب أن نعطي الجسد الاهتمام اللازم وندرسه بعمق ونفهمه كجزء لا يتجزأ من الإنسان ككائن حقيقي وكائن فني.
من الناحية الفلسفية، يمكننا القول إن الجسد هو الواجهة الأولى التي يعبر من خلالها الإنسان عن وجوده وكينونته. إنه المادة التي ترافق وتعبر عن الروح والذات الباطنية للإنسان. إنه الجسد الذي يتجاوز الواجهة المادية ويحمل في طياته أسراراً وتفاصيل لا يمكن للعين المجردة تمييزها.
ولكن، يلاحظ في مجتمعاتنا الشرقية أن الحديث عن الجسد يعدّ من المحرمات، والغوص في تفاصيله يعتبر عيباً. ونتيجة لذلك يتم التعامل بشكل سطحي مع الجسد، وقد نتعامل معه بالإهمال أو اللامبالاة. وطبعاً هذا نتيجة لتأثرنا بتقاليد اجتماعية أو دينية ترسخت فينا دون أن ندرسها أو نراجع أسباب نشأتها وظروفها.
إن الجسد البشري يحمل داخله تساؤلات وانفعالات تنبض بالحياة. فهو يعبّر عن المشاعر والأفكار والتجارب الشخصية. ولكن، في كثير من الأحيان، نخفي هذه التساؤلات والانفعالات في أعماقنا أو نكبتها بمعنى أصح. والنتيجة الحتمية لهذا الإكمال السلبي هو فقدان تلك التجارب والمشاعر الصلة بالإنسانية.
اختيار لوحة فنان سوداني ضمن أفضل 16 “بورتريها” في تاريخ الفن
لحسن الحظ، هناك مخرجون فنّيون استطاعوا اختراق هذه التابوهات والتعامل معها بجرأة مهنية وفنية وعقلانية. قدّموا رسالة قوية تؤكد أن الإنسان بجميع أسراره وتفاعلاته وانفعالاته يستحق أن ُيدرس ويُفهم. فالعلم بالشيء المختلف يعد أمراً ضرورياً للتطوّر والنمو. وأيضاً هناك قسم آخر من المخرجين استطاعوا اختراق هذه التابوهات بجرأة تخضع لوجهة نظرهم الشخصية وفهمهم ومقاييسهم عن الجسد، فقدموا لنا تعاطيهم مع الجسد بصورة مغايرة.
وهنا تبرز أهمية وسائل الإعلام ودورها في تعزيز هذا الفهم. فمن خلال وسائل الإعلام، يمكن أن تُسهم وتُساعد في نشر المفاهيم المتعددة حول الجسد وأهميته، وتعزيز الوعي الجماعي بأهمية فهم الإنسان بشكل شامل. إنها وسيلة لتحقيق إدراك حقيقي للجسد وللتفاعلات العقلية والجسدية التي يختزنها.
باختصار، يجب أن نكون قادرين على فهم الجسد البشري بكل تعقيده وجماله، وأن نتمكن من التمييز بين الجسد الفيزيائي والجسد الفني. وينبغي أن يتجاوز فهمنا للجسد الحدود المفروضة عليه والتقاليد القديمة، وأن نرحب بالتعبير الفني الجريء والحر الذي يساعدنا على استكشاف التجارب والمشاعر الإنسانية بشكل أعمق وأكثر تعقيداً.
فقط عندما ننظر إلى الجسد كمادة حقيقية ترافق الروح وتتجاوزها، وكذلك الذات الباطنية للإنسان، سنكون قادرين على تقدير وفهم جماله وتعقيده بطريقة أكثر احترافية وعميقة. عبر هذا الفهم الشامل والتفكير المفتوح نحو الجسد، نستطيع تحقيق روح الفن والتعبير الحقيقي.
*مخرجة فلسطينية