في المقبرة الصَّغيرة أوَّلَ البيت…
تأتي غرفتي
لا تدخلها شمسٌ، ولا تخرجُ منها عتمة؛
مليئةٌ بالدُّموع كحلقةٍ أخيرة…
قفلُ بَابها الحَذرْ من خُطوات القادمين…
تتدفقُ الأغاني الحزينة
يمرُّ أهلي عليها كأنَّها قبرٌ قديمٌ
يقول أخي الصَّغير لأصدقائه: “إنَّه حزين”
إخفضُوا أصواتكم…
تقول أختي لصديقتها: “وزَّع قلبهُ أكثر من اللَّازم”
يقول أبي لإخوته: “أكلهُ الوهم ونسيَ نفسهُ في قطار الخيال”
أتمنَّى أن يعود ويدخلَ كالفضيحة من كلّ الأبواب
يقول أصدقائهُ القُدامى وهم يقلبون ليل النَّبيذِ الحزين
كانَ بخير قبلَ أن يصبحَ شاعرًا!
تبكي حبيبتهُ في حمام النِّساء
حينَ يمرُّ اِسمهُ بينَ الشِّفاه الشَّبقة كشفرةِ حلاقة
تقول إحداهنَّ: “اليومَ يمضي عامٌ على غيابهِ
هذا ما تقولهُ النَّوافذ التي تحفظُ مواعيد عطرهِ…”
وحيدٌ أمام نفس الجدار
عاطلٌ عن الحياة والمسافة
مستسلمًا للهاوية كقاربٍ سحبهُ التِّيار
يتفقَّدُ دموعهُ كلَّما نسيَ وجودَه
سارحًا في السَّقف
مبتسمًا لحبل النَّجاة…
حتَّى أمهُ الأرحم عليهِ من كل خيباته
تقفُ من بعيد
حابسةً الدَّمع في حلقها
مطمئنةً أنَّ الجُثَّة على قيد الحياة!