يحيى الحمادي*
غابَ عني.. وما له مِن مَغِيبِفهو في كُلِّ لحظةٍ يَلتقي بي
غيرَ أَني بِفَقدِه صِرتُ أَهوِي
في غِيابي، كَشَعرةٍ في لَهِيبِ
مَزَّقتنِي مَحالِجُ الحُزنِ حتى
لم يعُد لي ولا لها مِن نَصِيبِ
إِنّ فَقدَ (المَقالحِ) استَلَّ رُوحِي
مِن عِظامي، وشَدَّني مِن مَشيبِي
غاب مَن كان مَلجَأً لِاغترابي
في بلادٍ مُقيمُها كالغَريبِ
فجأةً صار خاوِيًا كُلُّ بَيتٍ
في عيوني، وعاوِيًا مِثلَ ذِيبِ
يا لَصَنعاءَ.. ما الذي ظَلَّ فيها
كي أَراها بغيرِ وَجهٍ كَئيبِ!
كلّما لاحَ لِي أَخٌ قلتُ دَعنِي..
بِالمِدادِ الإِخاءُ، لا بالحَليبِ
يا مَــلَاكًا كأنــه آدَمِــيٌّ
أَودَعَ اللهُ رُوحَهُ كُلَّ طِيبِ
لا تَدَعني فَريسةَ الصَّمتِ، وانطِق
إِنَّ أَقسَى الكَلامِ صَمتُ اللَّبيبِ
ما لِحُزني عليكَ يَهمِي يَقينًا
واشتِياقِي يَهِيمُ كالمُستريبِ!
رُوحُكَ الزَّنبقيّةُ الرِّيشِ طارَت
دون داعٍ يُجابُ.. لا مُستَجيبِ
ليس لِلرُّوحِ مَنطِقٌ وهي تَرقَى
بين سَلَّابِها وبين السّليبِ
كنتُ أَفدِي طَبيبَها بي، ولكن
ما لِمَن حان يَومُهُ مِن طَبيبِ
إنَّ لِلموتِ حِيلةً، لا يَعِيها
غيرُ عَلَّامِ وَقتِها والرقيبِ
يا فقيدًا أَحالَني كَومَ صَمتٍ
دَمعتِي فيك مَطرةٌ مِن وَجِيبِ
لستُ أَبكِيكَ وَالِدًا أَو صَديقًا
بل بلادًا وأُمَّـةً في أَديبِ
كم يَتامَى تَرَكتَهم دون كَفٍّ
تحتويهم، ودون قَلبٍ رَحِيبِ!
أَنتَ لولا حَمَلتَهُم كي يَطيروا
ما لَقِيتَ الرَّدى بصُلبٍ حَدِيبِ
مَن سَيُلقِي سَحابةَ الصَّيفِ عنهم
أَو يُعيدُ الرَّبيعَ للعَندليبِ!
مَن سَيَسقِي النجومَ شايًا خَفيفًا
ثم يأتي بِـ “لَـوزِهِ والزبيبِ”!
مَن سيَختارُ مَقعدًا لِلأَغاني
في سَماءٍ مليئةٍ بالنّعِيبِ!
ماربُ اليومَ صامتٌ، وابنُ آوَى
يُدركُ القَحطَ بـ”الحَصادِ الرَّهيبِ”
والزّمانُ العَجيبُ ما زال يأتي
كلَّ يومٍ بكلِّ أَمرٍ عجيبِ
مُوحِشٌ ذا “الخَفاءُ بَعدَ التَّجلِّي”
والفراغُ الجَدِيبُ بَعدَ الخَصِيبِ
فاعفُ عني إذا انطوَى عنكَ شِعري
فالمُصابُ الذي به كالذي بي
ليس سَهلًا عَلَيَّ إِيجازُ حُزني
في سطورٍ، ووَحشتي في نَحِيبِ
سوف أَرثِيكَ بعد عامَينِ.. إن لم
يَأذنِ اللهُ باللِّقاءِ القريبِ
فانتظِرني، قصيدةً، أَو رَفِيقًاطِبتَ حَيًّا وميِّتًا يا حبيبي
*شاعر يمني
مرتبط