عن كثب/.. منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، لا تزال تسعى أمريكا مع الاتحاد الأوروبي إلى دفع السعودية لضخ المزيد من النفط في الأسواق، ومنع الإمارات من استقبال يخوت الأوليغارش الروس وأصولهم؛ دون تحقيق أي نجاح يذكر، فما سبب فشلها هذا؟
بعد وقت قصير من بدء روسيا توغلها العسكري في أوكرانيا أواخر فبراير/ شباط، حاول مسؤولون أمريكيون تنسيق عقد مكالمة هاتفية بين الرئيس الأمريكي جو بايدن وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة.
بيد أن الأمير محمد بن سلمان على ما يبدو رفض الطلب الأمريكي في خطوة رآها كثيرون أنها تمثل إهانة لحليف الرياض الوثيق خاصة وأنه أجرى بعد ذلك بوقت قصير محادثات هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومحادثات مماثلة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ.
أما البيت الأبيض، فقد خرج لينفي أن محمد بن سلمان رفض إجراء محادثات مع بايدن.
ورغم النفي الأمريكي، إلا أن الأمر يحمل في طياته مؤشرا على فتور العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم.
ويشار إلى أن بايدن قد وصف السعودية بأنها دولة منبوذة عقب مقتل الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي عام 2018 فضلا عن انتقادات أمريكية لسجل حقوق الإنسان في المملكة.
عودة الدفء للعلاقات؟
لكن الولايات المتحدة تواجه في الوقت الحالي معضلة تتمثل في حاجتها إلى اصطفاف السعودية ودول الخليج والشرق الأوسط إلى جانبها ضد بوتين مع استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا، خاصة فيما يتعلق بمساعي ضخ المزيد من النفط الخليجي لخفض الأسعار العالمية ودعم القرارات الأممية ضد موسكو وأيضا تطبيق العقوبات الغربية على روسيا.
بيد أنه بات جليا أن دول الخليج خاصة السعودية والإمارات تترد في الوقوف إلى جانب واشنطن، إذ لا تزال تلتزم بحصص انتاج تحالف “أوبك بلاس” بقيادة السعودية وروسيا فضلا عن استمرار استقبال الإمارات لليخوت العملاقة المملوكة للأوليغارش الروس.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل رفضت دول حليفة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط لا سيما العراق والأردن وإسرائيل، التصويت ضد روسيا في مجلس الأمن الدولي.
وفي ضوء هذه المعيطيات، طرح مراقبون تساؤلات حول سبب عجز أمريكا عن إقناع حلفائها في الشرق الأوسط للاصطفاف معها ضد روسيا.
يشار إلى أن الولايات المتحدة عمدت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى تعزيز تواجدها العسكري لتأمين مصادر الطاقة في الخليج، حيث ذكر تقرير صادر عن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في أبريل / نيسان الماضي أن الولايات المتحدة “تظل الضامن الأمني المسيطر في المنطقة وأكبر مصدر للأسلحة”.
وفيما يتعلق بالتواجد العسكري الأمريكي، لا تزال واشنطن تمتلك قواعد عسكرية كبيرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، حيث يتمركز ما بين 45 ألف إلى 60 ألف جندي أمريكي. وفي ضوء ذلك، أشار تقرير المجلس الأوروبي إلى أن هذا التواجد العسكري الأمريكي يقلل أو يضعف فرص دخول أطراف دولية أخرى في هذا السباق.
ورغم ذلك، فإن بدء الولايات المتحدة في استخراج النفط داخل أراضيها منذ عام 2019 حيث فاقت صادراتها النفطية ما كانت تستورده، شكل نقطة تحول، إذ أصبحت بلدان الشرق الأوسط المنتجة للنفط تشعر بأنها باتت لا تحظى بالاهتمام الأمريكي كما كان الحال في السابق.
وفي تعليقه على هذه الفرضية، قال آرون ديفيد ميلر، المستشار السابق لستة وزراء خارجية أمريكيين والزميل البارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، “على مدى السنوات العشرين الماضية تغيرت الأولويات بالتزامن مع بقاء الولايات المتحدة في المنطقة”.
“شعور بالتهميش والإهمال”
وفي مقابلة مع DW، أكد ميلر أن الشرق الأوسط لا يزال لاعبا بالغ الأهمية، لكن ليس بنفس القدر كما كان في السابق. وأضاف “لا شك أن حلفاءنا في المنطقة بدأوا يشعرون أن حلفاءهم الأساسيون يولون اهتماما أقل للمنطقة. وقد دفع ذلك دولا محورية في الشرق الأوسط خاصة السعودية والإمارات إلى التقارب مع دول أخرى”.
تزامن هذا مع تعزيز دول الخليج علاقاتها مع دول ذات حضور ونفوذ كبيرين على الساحة الدولية مثل الصين التي أصبحت أكبر مستورد للنفط في العالم فيما جاءت نصف وارداتها النفطية من الشرق الأوسط في عام 2020.
كذلك سعى التنين الصيني إلى تقوية علاقاته مع دول الخليج، بما في ذلك استعداده لمساعدة السعودية في تطوير منظومة الصواريخ الباليستية وإنشاء منشآت نفطية في العراق.
بدوره، قال مدير برنامج الدفاع والأمن في معهد الشرق الأوسط، بلال صعب، إن هذه الدول تتمتع “بسيادة ولديها مصالحها التي غالبا لا تتماشى مع مصالحنا ولسنا اللاعب الوحيد في المنطقة”. وأضاف في مقابلة مع DW أن هذه الدول “تمتلك خيارات أخرى قد لا تكون جيدة مثل الولايات المتحدة، لكنها خيارات متاحة”.
لكن الحرب في أوكرانيا وتفاقم تداعياتها على الوضع الاقتصادي العالمي دفعت الولايات المتحدة إلى محاولة استعادة نفوذها في الشرق الأوسط في مقابل تنامي النفوذين الصيني والروسي في المنطقة.
فقد التقت نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس على رأس وفد رفيع المستوى رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد في منتصف مايو/ أيار الماضي عقب وفاة الشيخ خليفة بن زايد، فيما أعلنت السعودية أن بايدن سيزور الرياض بدعوة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز يومي 15 و16 يوليو/ تموز القادم.
المصالح المشتركة
وفي هذا الصدد، قال ميلر “إذا أردنا التصرف بحزم وبتصميم، فمن المفترض أننا نستطيع فعل ذلك. لكن وفق درايتي بالدبلوماسية الامريكية في الشرق الأوسط على مدار عقود، فإنه من النادر ممارسة مثل هذا الضغط على بلد، إلا عندما يتعلق الأمر بمصالحها الوطنية الحيوية”. وأضاف أن الأمر يتطلب إدارة التحالف بين واشنطن ودول الخليج على نحو أكثر ذكاء وحنكة، وهو ما يراه يحدث في الوقت الحالي.
من جانبه، يرى بلال صعب حدوث تقدم في هذا السياق خاصة في ضوء إيفاد وفد أمريكي رفيع المستوى إلى الإمارات، مضيفا أن هناك مجالات يمكن أن تظهر فيها الولايات المتحدة أن التعاون سيصب في صالح الجميع. وقال “من بين هذه المجالات نظام الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل” الذي تحتاجه دول في المنطقة مثل السعودية والإمارات لصد هجمات الحوثيين، حيث أدت هجمات بطائرات مسيرة في عام 2019 ضد منشأتين رئيسيتين تديرهما شركة أرامكو المملوكة للحكومة السعودية إلى خفض إنتاج النفط السعودي إلى النصف.
وأشار صعب إلى أنه إذا السعودية مضت قدما في الحصول على صواريخ باليستية بمساعدة الصينيين، فإن هذا قد لا يصب في صالح نظام الدفاع الصاروخي الجوي المتكامل.
ماذا عن الاتحاد الأوروبي؟
بدوره، يرى الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، هيو لوفات، أنه يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يلعب دورا في المنقطة. وقال في مقابلة مع DW، إن “الاتحاد الأوروبي يبدو راضٍ بالسماح للإدارة الأمريكية ببذل الجهد الأكبر”، رغم أن لدى البلدان الأوروبية الكثير لتقدمه لتعزيز نفوذها في المنطقة لا سيما فيما يتعلق بمجالات التنمية والمساعدات الإنسانية والاستثمار الأجنبي المباشر والتجارة والأمن.
وحذر لوفات من أنه في الغالب ما يجرى “التقليل من قيمة المساهمة الأوروبية حتى من قبل المسؤولين الأوروبيين أنفسهم، رغم المبالغة في تقدير المساهمات المقدمة من الجانبين الروسي والصيني”.
أما بلال صعب، فيدعو إلى ضرورة ضبط العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط الرئيسية في ضوء عدم سريان التحالفات السابقة بشكلها التقليدي. ويقول “نحن بحاجة إلى تجديد الشراكة وفق شروط جديدة، حيث يكون على عاتق كل طرف تنفيذ التزامات والوفاء بمسؤوليات في إطار الحفاظ على المصالح الأمنية الجماعية والإقليمية. دول المنطقة تلعب دورا هاما في المنافسة الاستراتيجية بين الغرب والصين وروسيا.”
ويتفق في هذا الرأي الدبلوماسي الأمريكي السابق آرون ديفيد ميلر، قائلا “سيكون من الجيد انضمام هذه الدول (الشرق أوسطية) إلى قائمة طويلة تضم الدول التي تبدي استعدادها لفرض عقوبات على روسيا”. لكنه أكد أن هذا الأمر ليس واقعيا، داعيا إلى تبني نهج أكثر براغماتية. وقال “أعتقد أنه بطريقة أو بأخرى سوف ينتهي الأمر باندلاع ما يشبه حربا باردة جديدة، ولن تمتلك كافة بلدان العالم القدرة على اختيار الطرف الذي سوف تصطف إلى جانبه”.
عن DW الألمانية