عن كثب/.. نشرت الباحثة والكاتبة العراقية سارة طالب السهيل مقالاً عن حضارة اليمن تطرقت فيه إلى دور اليمن في ما وصفته “عظمة العرب”، وكذلك دورها في الحضارة الأوروبية.
وأشارت في المقال الذي نشر في موقع “عمون” بعنوان “حضارة اليمن شاهدة على عظمة العرب”.. إلى عدد من الدول والممالك اليمنية التي خلدها التاريخ وذكرتها الرسالات السماوية، مستشهدة بتطور تلك الدول وأسبقيتها في تقدير المرأة وتفوقها في مجالات كثيرة مثل أنظمة الري وغيرها.
نص المقال:
تفتحت عيون شعوبنا العربية على الانبهار بالحضارة الغربية وتقدمها العلمي والتكنولوجي والزراعي والصناعي، لكنا لم نرجع بذاكراتنا الحضارية قديما لنري العجب العجاب في حضارات مدهشة قامت على أراضينا العربية، ومنها حضارة اليمن السعيد .
فمن يشاهد ويلات الحروب وخرابها والتراجع الاقتصادي والعلمي باليمن اليوم لا يتخيل ان هذا البلد العربي قدم للعالم حضارة من أرقى الحضارات الانسانية التي خلدها التاريخ وذكرتها الكتب السماوية ومنها ما شهد له القرآن الكريم والمشهور منها حضارة سبأ وملكتها بلقيس.
تمتع اليمن بموقع جغرافي مهم وتوافرت لها طبيعية ومناخ متنوع جعل سكانه يشحذون همتهم وذكائهم في السّيطرة على طرق تجارة العالم القديم، ومن ثم كان أحد مراكز الحضارات الإنسانية، ودفع ذلك اليونان والرومان لأن يطلقون عليها العربية السعيدة.
فاليمن هو أصل الحضارات، حسبما أثبت ذلك الكثير من المؤرخين وعلماء العصر الحديث، بأن اليمن أول حاضرة في شبه الجزيرة العربية، ومنه انطلقت القبائل العربية القديمة، والعرب العاربة، مثل عاد وثمود وطسم وجديس وجرهم والعمالقة وأميم وقحطان وعدنان.
بل ان بعض المؤرخين ذهب إلى القول بأن اليمنيين أصل العرب جميعا، ومنهم تفرقت القبائل، وهاجرت إلى العراق وقامت الحضارات القديمة فيه، وإلى الشمال أقامت الحضارة الفينيقية في بلاد الشام، وإلى القرن الأفريقي وضفاف النيل حيث أقامت الحضارة الفرعونية، بل يقول هؤلاء المؤرخون إن أفريقيا سميت كذلك لأن أحد ملوك اليمن التبابعة واسمه أفريقيس بن ذي المنار قد أطلق اسمه عليها.
أدهش شعب اليمن القديم شعوب العالم بقدرته على بناء القصور في قمم الجبال الشاهقة، وزراعة المدرجات، وكان ملوكهم أول من لبسوا التاج، وأشهرهم الملكة بلقيس، ملكة سبأ.
بعض المؤرخين ربطوا بين سد مارب وذي القرنين، حيث يذهبون الى تأكيد ان ذي القرنين وهو أحد الملوك التبابعة، قد بنى سد مأرب مستخدما قضبان الحديد والرصاص، وهو أول السدود في التاريخ الإنساني. وعلى أرضه عاش سام بن نوح عليه السلام كما اكتشف العلماء أقدم لوح أثري من المرمر يعود لعام 1400 قبل الإسلام.
وقد ذكرت اليمن في الكتب المقدسة كالتوراة وكذلك في الكتب الإغريقية والرومانية القديمة، ووصفتها باليمن السعيد لكثرة مياهها، وخضرتها، وخصوبة أراضيها.
ونسب لنبينا ورسولنا محمد صل الله عليه وسلم قوله، أهل اليمن هم مني، وأنا من أهل اليمن، في اشارة إلى ما أثبته المؤرخون أن عدنان جاء إلى مكة من اليمن من أصل عربي، وهو من العرب العاربة، وليست المستعربة، ومن نسله نبي الله إبراهيم، عليه السلام، ثم إسماعيل وقبيلة قريش، فهم عرب أقحاح، وقد هاجرت قبيلة جرهم قديما واستوطنت بقاع مكة.
شهد اليمن عدة حضارات مثل سبأ، مملكة معين، حضارة حضرموت، مملكة حمير، مملكة أوسان، وهناك ممالك أخرى قامت فيها مثل: مملكة هرم، مملكة كمنة، مملكة السوداء، ملكة أنابة، مملكة نشأن.
اليمن ودور المرأة
أقام اليمنيون نهضة حضارية كبرى ارتقت بالإنسان ككل رجل وامرأة، وبرز فيه دور المرأة كقائدة لوطنها قادرة على صنع حضارة يخلد التاريخ ذكراها بدءاً من بلقيس ملكة سبأ وانتهاءً بأروى الصليحية.
فالملكة بلقيس، كانت تتمتع بالحكمة ورجاحة العقل والقدرة على القيادة فازدهرت مملكة سبأ على يدها، واستحقت ان يخلد التاريخ اسمها كواحدةٍ من أعظم ملكات التاريخ. وقد ذكر القرآن الكريم قصتها مع نبي الله سليمان – عليه السلام ، مبرزا حكمتها ودهائها السياسي وشجاعتها وخبرتها في اتخاذ أمر الشورى مع رجال بلاطها وخبرتها بشؤون الملوك وقدرتها على اختبار نواياهم إذا ما أردوا الاستيلاء على مملكة أخرى.
واستطاعت بقوة شخصيتها الحفاظ على عرشها من اعدائها، وحسبما تذكر الروايات، إن الملكة بلقيس استخفت في ثياب أعرابي ولاذت بالفرار من هجوم الملك ذي الأذعار على مملكتها، دخلت قصره وظلت تسقيه الخمر وهو ظانٌ أنها تسامره ، ثم استلت سكيناً وذبحته بها.
أما لميس بنت نوف بن يريم ذي مرع، فهي من أوائل النساء المتوجات في عصور دولة تبابعة سبأ وحمير وهي أما لملك إفريقيس
بينما كانت، أروى بنت أحمد الصليحي ملكة الدولة الصليحية في اليمن وهي أول ملكة في الإسلام وتلقب بالسيدة الحرة .
تعظيم مقومات الحضارة
نجح شعب اليمن القديم في الاستفادة من الموقع الجغرافي في إطلالته على البحرين العربي والأحمر والتحكم في مضيق باب المندب الاستراتيجي، مما جعله اكثر اتصالا وانفتاحا على الغرب والعالم، واستغلوا موقع بلادهم استغلالا عظيما وجعلوا منها مكانا للترانزيت التجاري بين الشرق والغرب.
فقد سيطر اليمنيون التجار على نقل البضائع برا وبحرا، بعد اقامتهم شبكة للمواصلات لنقل البضائع من الموانئ الرئيسة الثلاثة: فانا، عدن وموزع وكان مرفأ عدن الميناء الرئيسي الذي يستقبل بضائع الهند وشرق أفريقيا ومنه تحمله القوافل إلى تمنع ومن هناك في اتجاه الشمال نحو حوض البحر الأبيض المتوسط وبذلك فأصبحت الخدمات التجارية هي المقوم الثالث بجانب السدود والمدرجات في بناء الحضارة اليمنية القديمة.
تجاوزت حضارة اليمن آلاف السنين وقد اثبت بعض العلماء دور اليمن في خروج البشرية من العصر الحجري، مستدلّين بأن أول صناعة للخنجر كانت في جنوب الجزيرة العربية وهي اليمن حاليًّا.
كما برهن العلماء الذكاء الحاد الذي كان يتمتع به الإنسان القديم في اليمن، مدللين على ذلك، بالقدرة على بناء سد مأرب، في القرن 8ق .م، وكان معجزة في زمنه، كما تجلت عبقرية الشعب اليمني في بناء القصور ودور العبادة وإنتاج السلع التجارية، وفي المعمار عبر بناء أول ناطحات سحاب في العالم، مثل قصر غمدان وبنايات مدينة شبام حضرموت، التي يصل ارتفاع بعضها إلى نحو 25 مترًا، وتم بناؤها قبل ما يقارب 500 عام.
وفي السياق السياسي الحداثي، فان اليمن كان من اوائل الشعوب التي تفصل الدين عن السلطة وذلك عندما قام الملك السبأي كرب إل وتر، بـ”فصل الدين عن السياسة، عندما كان هو الملك والكاهن، وقرر أن يسمي نفسه بالملك، تاركًا السلطة الدينية لمؤسسة خاصة.
تأثير حضارة اليمن على العالم
ذهب بعض الباحثين اليمنيين إلى القول بان حضارة اليمن هي أقدم حضارة على وجه الأرض وهى أقدم من الحضارة الفرعونية والبابلية وغيرها من الحضارات التي تعتبر امتداد لحضارات اليمن القديم، ويستند د. فضل الصباحي بمقال له إلى أقوال بعض المستشرقين عن الحضارة اليمنية التي تؤكد هذا الاعتقاد: إن اليمن سابقة في تمدنها على مصر وبابل وانها هي البلاد التي هاجر منها إلى مصر الفراعنة العظام وحملوا معهم العلم والحكمة والزراعة ومنها اسلاف البابليين والآشوريين الذين حملوا في هجرتهم إلى تلك البلاد ما حملوا إلى العراق من العلم والصناعة.
في هذا السياق ايضا أثبتت النقوش الاثرية هذا التأثير للحضارة اليمنية على الاغريق، من خلال التمثيل اليمني التجاري في جزيرة ديلوس اليونانية في بحر ايجه، حيث تم اكتشاف نقش من مملكة معين اليمنية هناك مما يدل على وجود جاليات يمنية هناك.
النقش عباره عن حفر على مذبح اسطواني الشكل عباره عن ابتهالات لـ “ود” احد اله المعينيين مصحوبا بأهداء باللغة الاغريقية. ويتواجد النقش حاليا في متحف جزيرة ديلوس .
كما أخذ الرومان عن الحضارة اليمنية الابتكارات التي ساعدت على حفظ المياه وتخزينها وأساليب نقلها بالترع. بل يمكن التكهن بأن الاغريق قد أخذ فنون الازياء من الحضارة اليمنية، فملابس الاغريق وعباءاتهم تشبه كثيرا الملابس اليمنية القديمة التي كان يرتديها اليمنيون العرب والانبياء ونفس الاوشحة والعباءات ونفس طريقة اللبس.
ويظن البعض أن هيرودوت أصله من يهود اليمن يسمونه اسيوي فقط لإخفاء هويته الحقيقية وهو من كتب ودون كثيرا من الكذب على ان الاغريق حضارة اوربية ولكن في حقيقة أصولها يمنية.
ورد في نص آشوري للملك سرجون الثاني تلقيه هدية من مكرب سبئي يدعى يثع أمر، ووجد اسم المكرب في نقوش يمنية. ووجدت كتابة أخرى للملك سنحاريب وتشير إلى تلقيه هدية من مكرب يدعى كرب إيل أو كرب إيلو حسب اللفظ الآشوري.