محمد غبسي/
تمتلك الشعوب ثراثاً فنياً يحمل خصوصية الإنسان والجغرافيا ويميز تاريخها وثقافتها، وتتنوع الفنون من المسرح إلى الرسم إلى الغناء والنحت وغيره، إلا أن الأغاني تحتل مساحة كبيرة في ذاكرة الشعوب لسهولة حفظها فردياً وجماعياً.
وبالرغم من قلة الأغاني التي كان يتم إنتاجها قبل التسعينات والثمانينات، إلا أن هناك الكثير منها لا تزال تزاحم وتنافس بنجاحها آلاف الأغاني والألبومات التي يتم طرحها يومياً في كافة دول العالم.
تلك الأغاني توفرت فيها كل عناصر البقاء والخلود، بدءً من الكلمات المشحونة بالمشاعر الصادقة والمعبرة عن البيئة والمجتمع مروراً باللحن الموسيقي الذي يمكن تشبيهه بـ “المومياء” التي تحفظها من النسيان والتحلل والتلاشي، وصولاً الى صوت ومشاعر الفنان/المؤدي الذي يسكن الأغنية وتكسنه إلى ما لا نهاية.
في اليمن لدينا أمثلة كثيرة يمكن أن نستدل بها هنا على خلود الأغاني التي تعيد ولادة نفسها مع كل جيل جديد وكأنها من عناصر الحياة الهامة التي تكيف نفسها للبقاء متحدية كل تغيرات الطبيعة وتدخلات الإنسان فيها.
نعم لدينا مكتبة أغاني كبيرة لكن هناك أغنية باذخة الجمال يحفظها ويدندن بها معظم اليمنيين، جمعت في عناصرها كل شروط البقاء في ألسنة ووجدان الشعب بالرغم من أنها لم تأخذ حقها في التناولات الأدبية والإعلامية وطالها الإهمال الذي طال ملحنها ومؤديها.
والحديث هنا عن أغنية “رحنا إلى البندر في شهر نيسان”، والتي تميزت عن غيرها بما تضمنته من لغة شعرية سردية لخصت قصة من الحياة اليومية في موسم محدد “نبيع الورد”، كما اكتملت وتزينت بلحن موسيقي رشيق جعلها سهلة الحفظ لدى الجميع سواء ككلمات أو كجمل موسيقية يمكن أن يؤديها أي شخص دون مقامات صوتية أو معرفة لحنية.
أغنية ورد نيسان التي كتب كلماتها الشاعر أحمد سالم عبيد، ولحنها الموسيقار محمد محسن عطروش وغناها بصوته، ليست أغنية عادية، فكلماتها الجميلة والرشيقة التي تفوح بعطر بساتين عدن ومحيطها، حصلت من الفنان عطروش على لحن برشاقة سيقان الورود وخفة أوراقها لدرجة مكنت آذاننا من النظر إلى ألوان الورود التي يزخر بها شهر نيسان.
هذه الأغنية “التحفة” اكتسبت قيمة مكانية من “الشيخ عثمان”، وزمانية من “شهر نيسان”، وغرامية من الورد الذي سيظل هدية العشاق والمحبين وزينة الأفراح والمنازل إلى ما لا نهاية.
خلاصة ما يمكن أن أقوله هو أني لا أحاول الكتابة عن الأغنية بقدر ما أحاول إعادة الإستماع لها، وهي دعوة لكل من يريد غسل روحه وإعادة ترميم حواسه التي مزقتها سنوات الحرب، هيا نبيع الورد “لكل ولهان”.