جاءت موجة “الربيع العربي” لتدخل اليمن في دوامة من الصراع أدت في نهايتها إلى دمار للشجر والحجر وأدخلت الشعب اليمني في قائمات المجاعة والأمراض والأزمات الإنسانية الأسوأ في العالم.
اعتبرت السلطة آنذاك ما حدث من ثورة واحتجاجات انقلاباً على الديموقراطية وتنفيذاً لأجندات خارجية، وبدورها اعتبرت القوى التي وصلت للسلطة نتيجة لمشاركتها في احتجاجات 2011 ال قوى الجديدة التي انتزعت منها السلطة في نهاية 2014 “قوى انقلابية”.!
وبعد مرور أكثر من عقد على بداية الأحداث التي شهدتها اليمن وبعيداً عن التمترس لأي طرف من أطراف الصراع يمكننا اليوم إعادة تعريف الإنقلاب الذي حدث في اليمن وتحديده بدقة ومصداقية.
نعم فالإنقلاب لم يحدث ضد سلطة أو عائلة أو حزب حاكم، بل حدث من قبل قوى 2011 و 2014 ضد الدولة اليمنية ومؤسساتها وفي مقدمة من تم الإنقلاب عليهم أكثر من مليون موظفي يمني مدني وعسكري.
أما لماذا نسمي ذلك انقلاباً؟.. فقد بات واضحاً أن كل من القوتين أنشأت لنفسها ولأتباعها مؤسسات جديدة خاصة بها أو اجتزأت من مؤسسات الدولة التي كانت قائمة منذ قيام الجمهورية اليمنية في سبتمبر 1962، والتي استوعبت كوادر من كافة انحاء اليمن.
وقد بات من غير المعقول أن نظل نكذب على أنفسنا بأن الدولة اليمنية موجودة، لقد ولت ولم يتبقى منها سوى نماذج مصغرة فصلتها كل قوى على أتباعها في صنعاء وعدن والمخا ومأرب وغيرها.
الدولة اليمنية بمؤسساتها ولوائحها وأنظمتها ذهبت ويبدو أنها لن تعود في المدى القريب، وما يؤكد صحة هذه الحقيقة المرة هو عدم قدرة أي من تلك القوى على تبني مشاكل اليمنيين عامة بل وتنصلها الواضح والفاضح كما يحدث في ملف مرتبات موظفي الدولة.
لنتأمل ما يحدث اليوم.. بالرغم من وصول تلك القوى إلى مرحلة توقفت فيها آلاتهم العسكرية بعد سبع سنوات من الحرب، وتوافقهم على الدخول في هدنة أعقبتها هدنتين.. إلا أنها تؤكد انفصالها عن هموم ومعاناة الشعب اليمني ناهيكم عن آماله وطموحاته، وكل الملفات التي على طاولاتهم لم تتجاوز حتى الآن فتح الطرقات التي تضمن لكل طرف سيطرة دائمة على المناطق التي حكمتها بقوة السلاح.
قوى تحكم اليوم صنعاء ولها فلسفتها في الحكم وشروطها في العمل والواجبات والحقوق، وكذلك في عدن ومأرب والمخا وحتى في التجمعات والشللية الخارجية في أكثر من عاصمة عربية.
تجارب هذه القوى الصغيرة والأصغر في مأرب وعدن وصنعاء شاهدة على أن كل منهم لم يعمل كدولة ولو ليوم واحد، كما لم يؤمن أي من قادتهم بأنه موظف عادي في تلك الدويلة التي يحاول تجميلها وتزيينها، وكلما في الأمر أنهم يحكمون أتباعهم فقط كل في منطقته مع اعتبار أن الغالبية في كل منطقة هم مواطنين محايدين أو مغلوبين على أمرهم أو مختطفين داخل بيوتهم ومدنهم.
لا يستطيع أي مواطن مهما كانت مؤهلاته أو كفاءته وخبرته أن يعمل مع أي من هذه القوى “الدويلات” مالم يعلن العداء صراحة ضد القوى الأخرى، لن تلامس إبهامه أي ريال مالم يتبنى أفكارها وينتهج نهجها في تعظيم العداء ضد الآخر وبرمجة لسانه على تكرارها ليل نهار وبكل الوسائل يتواجد بها “مؤسسات، مواصلات، مقايل، مساجد” وغيرها.
وما لا تدركه الأمم المتحدة التي ترعى الهدنة الحالية منذ 4 أشهر أن كل أطراف الصراع عاجزة فكرياً ونفسياً عن تبنى الدخول في سلام دائم، فهي ببساطة لن تستطيع التصالح مع ثلاثين مليون يمني والإلتزام بما عليها من واجبات تجاههم، وملف مرتبات مليون موظف مثلاً لن تقبل أي قوى من هذه التسلخات الدينية والسياسية والمناطقية أن تتحمله وتلتزم به كدولة.
