محمد غبسي
عانى الطفل ذو الثلاث سنوات يعقوب خالد “اسم مستعار” من تورم في ساقه اليمين بعد أن تلقى إبرة “عضل” في مراكز صحي بإحدى القرى التابعة لمديرية يريم بمحافظة إب، وسط اليمن.
تفاقم حالة الطفل دفع عائلته، منتصف ديسمبر الماضي، لنقله بشكل طارئ إلى مستشفى يحصب بمدينة يريم، وهناك اثبتت الفحوصات المخبرية والأشعة الطبية إصابته بشلل الأطفال، وحينها أرسل المستشفى فريق الى قرية يعقوب ليقوم بمسح 50 منزل للتأكد من سلامة الأطفال المخالطين.. بحسب أخصائي في المستشفى فضل عدم ذكر اسمه.
تأكد الفريق الطبي بأن أغلب أطفال القرية حصلوا على اللقاح ما عدا “يعقوب” الذي ينتمي لأسرة محدودة الدخل تعاني من تدني شديد في الوعي الصحي وكذلك في مستوى النظافة.. واتضح بأنه لم يتلق التطعيم ضد شلل الأطفال خلال ثلاث مراحل كان يجب أن يحصل فيها على اللقاح.
يعقوب ليس الطفل الوحيد الذي وقع ضحية عودة شلل الأطفال، الى اليمن فـ الطفلة رشا عبدالكريم ذات الأربع سنوات هي الأخرى تم تأكيد إصابتها بشلل الأطفال مطلع سبتمبر الماضي في أحد مستشفيات محافظة حجة “شمال غرب العاصمة صنعاء”.
يقول والدها لمنصة “خيوط ” : رشا عانت فجأة من حالة حمى شديدة أعقبها ضمور في اليدين، وبعد اسعافها للمستشفى واجراء الفحوصات صدمت بخبر الإصابة لنبدأ معها رحلة معاناة لا حدود لها، خاصة وأنها بدأت تفقد القدرة على استخدام قدميها، ويضيف متحسراً “هذا أسوأ شيء حصل في حياتي، أن تصاب ابنتي بالإعاقة الدائمة.. إنه أمر لا يصدق”.
لم يخف عبدالكريم شعوره بالذنب تجاه طفلته كونه لم يحرص على حصول طفلته على اللقاح وذلك نتيجة تصديقه لبعض الاشاعات المتداولة حول عدم جدوى هذه اللقاحات، وأن الأجيال السابقة لم تصاب بأي مرض خلال العقود الماضية.
قد يهمك..شوقي هائل يدعو لتغييرات في الاتحاد اليمني لكرة القدم
رصد حالات شلل الأطفال لم يقتصر على محافظتي إب وحجة فقط، فبحسب برنامج ترصد الشلل الرخو الحاد التابع لوزارة الصحة بصنعاء، فان محافظات مثل صنعاء، البيضاء، المحويت، صعدة ، الجوف، عمران، مأرب، الحديدة، أبين، الضالع وذمار هي أكثر المحافظات إبلاغاً عن وجود حالات، كما أكد اكتشاف حالات صفرية “غير مطعمة” في كل من “أمانة العاصمة، ذمار، صعدة، صنعاء، إب، عمران، والجوف”.
وفي آخر احصائية رسمية بحالات الإصابة بشلل الأطفال في اليمن، أكدت وزارة الصحة العامة والسكان بصنعاء في الـ 27 من ديسمبر الماضي تسجيل 226 حالة في عام 2022.
وكانت منظمة الصحة العالمية أعلنت تسجيل 29 حالة إصابة بشلل الأطفال الدائر المشتق من اللقاح من النمط 1 ، في عام 2020، فيما أشار عدد من الأطباء اليمنيين الذين تم التواصل معهم الى أن عودة المرض بدأت في العام 2019.. ومثّل هذا الإعلان إقراراً بعودة المرض الى البلد الذي كان قد أُعلن خالياً من فيروس شلل الأطفال في يونيو 2009 بعد أن سجلت آخر حالة شلل أطفال في فبراير 2006.
أسباب عودة المرض ومخاطره
أرجع استشاري الأطفال والأعصاب الدكتور محمد الجرادي سبب عودة انتشار شلل الأطفال في اليمن إلى عدم حصول الأطفال على اللقاحات، وعزوف الأسر عن حماية أطفالها من المرض لاعتقادات خاطئة بأن اللقاحات غير مهمة أو أنها قد تضر أطفالهم.
وأوضح بأن شلل الأطفال مرض فيروسي يتمثل في التهاب الأعصاب ما يؤدي الى ضمورها ويصيب طرف أو طرفين أو ثلاثة، ويتسبب في إعاقة الأطفال ومنعهم من الحركة، لافتاً إلى أنه عادة يصيب الأطفال حتى سن الخامسة وتتمثل خطورته في إصابة الطفل بإعاقة دائمة وأحيانا الوفاة في ظل صعوبة بالغة في علاجه.
وأشار الجرادي، في حديثه لمنصة “خيوط”، إلى أن فيروس شلل الأطفال معدي ينتقل عبر الهواء وملامسة المحيطين للمريض، وقد يصيب أيضاً الكبار – ورغم عدم تأثرهم منه -الا انهم قد ينقلونه إلى أطفال آخرين.
كما لفتت أخصائية التحصين في المجمع الوطني للأمومة والطفولة بصنعاء الدكتورة أسماء الشرماني في تصريح خاص لـ “خيوط” إلى أن بعض الأسر ترفض تلقيح أطفالها لعدة أسباب منها تخوفهم من سوء تخزين اللقاحات في ظل ظروف الحرب التي حرمت المراكز الصحية من الكهرباء، رغم أن هذه المشكلة تم حلها بتوفير منظومات طاقة شمسية، حسب تأكيد الشرماني.
ومن الأسباب التي يؤمن بها الأهالي “المؤامرة الخارجية”، والعادات والتقاليد وضعف التثقيف والتوعية الصحية، إضافة لعدم قدرة سكان المناطق النائية على الوصول الى المراكز الصحية.. وفقاً للدكتورة الشرماني التي أشارت إلى أن خطورة عودة شلل الأطفال إلى اليمن لا يكمن فقط في المضاعفات التي تحدث للأطفال المصابين، فانتشاره وتطوره قد يحوله الى جائحة تهدد اليمن ودول الجوار والإقليم، ولذلك تحرص الدول على توفير اللقاحات مجاناً لليمن خوفاً من انتقاله إليها بطريقة أو بأخرى.
حملات التحصين
ونفذت وزارة الصحة بصنعاء حملة للتحصين ضد شلل الأطفال بتاريخ 18 ديسمبر 2021، وهي اخر حملة تم تنفيذها، استهدفت ثلاثة ملايين و253 ألف و393 طفل وطفلة دون سن الخامسة في 38 مديرية في محافظات “الأمانة، صنعاء، إب ،حجة ، المحويت، البيضاء، عمران، الجوف، الحديدة”.
بينما كانت اخر حملة تنفذها وزارة الصحة في عدن بالتعاون مع منظمة اليونيسف ضد شلل الأطفال في فبراير 2022، شملت أكثر من 2,2 مليون طفل دون العاشرة تحت شعار “من منزل إلى منزل” شملت 12 محافظة يمنية.
ويتم تحصين 90% من المستهدفين في جميع حملات التحصين وفقاً لما نقل موقع “صوت المهمشين” عن مدير إدارة التحصين بمحافظة تعز فهد النمر الذي قال أن نسبة رفض التطعيم تتراوح بين 5 و 10%.
اقرأ أيضاً..رايتس ووتش: السلطات اليمنية لا تحمي الحقوق الأساسية للمواطنين
ووفقاً لبيان صدر عن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط أواخر اكتوبر الماضي، فإن كل من اليمن والصومال تُعد من بين البُلدان ذات المخاطر العالية حيث يتواصل انتقال فيروسات شلل الأطفال المختلفة دون انقطاع.
كما أشارت اللجنة الفرعية الإقليمية التابعة لمنظمة الصحة العالمية والمعنية باستئصال شلل الأطفال والتصدي لفاشياته في بيان لها بتاريخ 10 شباط/ فبراير 2022 ، إلى أن القيود المفروضة على التطعيم عن طريق الزيارات المنزلية تحول دون الوصول إلى الأطفال الأشد ضعفا.
مثل هذه المعلومات لو أنها وصلت إلى والدي يعقوب ورشا باكرا لكانت جنبت الطفلين هذا المصير الذي جعل الإعاقة ترافقهم مدى الحياة، يقول عبدالكريم والد الطفلة “سأحرص مستقبلا على حصول أطفالي واحفادي على اللقاح حتى لو حملتهم على ظهري أيام الى مراكز التحصين”.
أنتجت هذه المادة ضمن غرفة أخبار الصحة التابعة لمنصة عوافي بدعم من منظمة انترنيوز Internews ضمن مشروع Rooted In Trust في اليمن و نشرت بالتتابع مع منصة “خيوط”