عن كثب/.. يجمع المخرج الأميركي تشاد ستاهلسكي في فيلمه الجديد “جون ويك: الفصل الرابع”، كل تراث الـ “أكشن” في عمل واحد، من الكونغ فو والمصارعة وقتال الشوارع والبنادق والسيارات والمبارزة وجهاً لوجه على طريقة الكاوبوي.
يتنقل بين كل هذه الأنواع على مدار 169 دقيقة، وهي مدة طويلة بالنسبة إلى فيلم “أكشن”، لكن الإيجابية تبقى في تصميمه مشاهد القتال بشكل جديد ومتقن وأداءات حركية مذهلة، مع شخصيات من الممكن أن يُصنع لكل منها فيلماً مستقلاً. (لورانس فيشبورن ورينا ساواياما وشامير أندرسون وسكارسجارد).
وتستمر رحلة المخرج مع بطل السلسلة كيانو ريفز بشخصية جون ويك التي باتت تنافس ما قدمه في ثلاثية “ماتريكس” من نجاح وانتشار، بطل لا يقهر وقليل الكلام وكثير القتل، ويحاول الخروج من دوامة الدم لكنها تأبى أن تتركه وكأنها ستلاحقه حتى مماته.
القصة
تستمر أحداث العمل، كما في الأجزاء السابقة، جون ويك هو قاتل مأجور يعد الأمهر في مجاله، يقرر الانسحاب حين يقع في حب فتاة ويتزوجها لتأسيس عائلة، لكن قبل الانسحاب كان عليه قتل “البعبع” (قاتل مأجور أيضاً) لتدعه المافيا وشأنه، وبالفعل ينفذ المهمة ويختفي من مشهد الاجرام إلى أن تمرض زوجته وتموت تاركة له كلباً كتذكار منها يقتل على يد سارقين، فيستعد البطل للانتقام.
في الجزء الرابع يبحث كيانو ريفز عن طريقة لاستعادة حريته وفك الارتباط بعالم الإجرام لكن ذلك يتطلب معركة أخيرة، وقبل الوصول الى هذه المعركة ثمة معارك جانبية يجب الانتهاء منها.
يغرق الفيلم بالدماء والعنف وهي ميزة هذه السلسلة وتأكيد على هوية البطل الأميركي الذي تنتجه هوليوود، بطل لا يُقاوم ولا يموت ويتحمل الرصاص والضرب ويبقى واقفاً، ويقع من علو مرتفع ولا يتأثر وقادر على مواجهة مئات الأعداء في الوقت ذاته. صورة نمطية لطالما تكرست في كثير من الانتاجات السينمائية الأميركية، خاصة في أفلام الـ “أكشن”.
“عبر الأزقة”.. فيلم يمني يفوز بجائزة مهرجان هوليود العربي
لكن في الوقت ذاته ثمة مبالغة في طول المشاهد القتالية على رغم جودتها وتصميمها اللافت، لكن طول المشهد بغض النظر عن الإبداع فيه قد يوقعه في الرتابة والملل، وهذا ما حصل في عدد من مشاهد الفيلم. بتنا نشاهد كيانو ريفز كما لو أنه في لعبة فيديو، يقاتل بحركات آلية ويتساقط الأعداء أمامه كورق الشجر، وهنا يجب السؤال: ما الفرق الذي قدمه المخرج تشاد ستاهلسكي وبين ما يُقدم في الأفلام الهندية من مبالغات لا تصدق؟
الجواب بسيط، فالمبالغة موجودة عند الاثنين لكن حجة الإقناع والإتقان في تصميم مشاهد القتال أوضح لدى المخرج الأميركي.
وعلى سبيل المثال قد يبقى المشهد الأخير في الفيلم في الذاكرة طويلاً (45 دقيقة) لما فيه من تنوع في فنون القتال، إذ تتحول شوارع باريس إلى ساحة للاستعراض بالمسدسات والسيوف. يقتل كيانو ريفز في مشهده الأخير ربما نصف المدينة، وعند درج كنيسة ساكري كور يقتل النصف الآخر ولا أحد يقف في طريقه، والإصابات التي يتعرض لها والوقوع مراراً من أعلى الدرج لا يعني شيئاً، فهو يقف مجدداً ويعود للقتال.
أيضاً في هذا المشهد ثمة شيء من روح نجم الكونغ فو الراحل بروسلي، إذ اعتدنا في مشاهده أن يقاتل أكبر عدد ممكن من الرجال ويفوز، بخاصة في المساحات الضيقة.
كيانو ريفز
لا يتكلم بطل السلسلة كثيراً في العمل، إذ نطق فقط بـ 380 كلمة فقط خلال 169 دقيقة، مركزاً على مشاهد القتال ومنتقلاً من مدينة إلى أخرى لمطاردة أعدائه، من الصحراء المغربية إلى نيويورك وأوساكا وبرلين وباريس.
شخصية حزينة دوماً بملامح حادة، وقد يكون الحزن الحقيقي الذي عاشه كيانو ريفز في حياته سبباً أساساً في نجاح الشخصية، فهو فقد ابنته قبل ولادتها ومن ثم زوجته في حادثة سيارة.
واعترف في حديث صحافي بأن “فقدان شخص عزيز عليه أثر في تقديمه لشخصية جون ويك”، القاتل السابق الذي ينتقم ممن قتلوا كلبه، ويصادف أنه “أحد آخر الأشياء التي ربطت ريفز بزوجته المتوفاة تلك الفترة”.
وأضاف أنه اكتشف أن “الحزن ممتع للشخصية وفي الحياة أيضاً، لأنه يتعلق بحبك للشخص الذي تحزن عليه، وكلما توهج الحزن فترة أطول كانت الأجواء من حولك أكثر دفئاً”.
وتابع، “أنا متمسك بهذا تماماً لأنني أعتقد أن فقدان شخص ظل فترة طويلة قريباً منك ربما يذكرنا بأن الحياة قصيرة، وأن الحزن والخسارة أشياء تبقى معك وقد لا تزول أبداً، لكنها تصبح مثل المد والجزر”.
يظهر الانكسار والحزن بوضوح في شخصية جون ويك، ويتطور إلى غضب فتاك مع الحفاظ على خيط عاطفي يجمعه بما يذكره بأصدقائه وعائلته، وعلى رغم قلة حديثه إلا أن مشاهده مفعمة بالحركة وكأنه يعوض بالقتال عن الكلام، ويمشي صوب نهايته بخطى ثابتة طالباً بعد مماته أن يكتب على قبره جملة واحدة: “زوج محب”.
جمال بصري
يطارد جون ويك أعداءه عبر الصحراء على ظهر الخيل، ومن ثم يخوض معركة معهم في فندق ومعرض ومتحف وملهى ليلي، واللافت في الـ “أكشن” الدموي والمتفوق هو جمالية الصورة التي يقدمها العمل، وبالنسبة إلى سلسلة تشتهر بروعتها البصرية فإن الجزء الرابع من السلسلة يضع معياراً جديداً لتصميم الإنتاج والتصوير السينمائي، إذ تتمتع المواقع عبر أوساكا وباريس وبرلين ونيويورك بصفات معمارية مميزة تتيح لمدير التصوير دان لاوستسن فرصاً منوعة لغمر الشخصيات بألوان النيون التي تتميز بها السلسلة، إذ إن تركيبات الإضاءة فائقة الحداثة في “كونتينينتال أوساكا” (الفندق الذي دارت فيه المعارك في اليابان)، ومصابيح الشوارع الدافئة في باريس وغروب الشمس في مانهاتن الذي يمر عبر الضفة الطويلة من الظلال في مكتب الماركيز (قائد المافيا)، كل هذا يعطي لوحة ألوان تمنح كل مدينة هوية بصرية فريدة، وتجعلنا نعرف مكان وجود البطل بالضبط.
ويعزز من كل ذلك الموسيقى التصويرية الحماسية من تايلر بيتس وغول جيه ريتشارد والتي تتبع انتقال السلسلة الجديدة من ثقافة إلى أخرى، وتمتزج مع الـ “أكشن” بطرق تقوم بتشديد اللحظات الكبيرة أو تقويضها لتحقيق تأثير كبير.
عن “اندبندنت عربية“