»إلى الشهداء: آباء الخيبة«
إلى أين يحدو الصهيلُ الخيول التي احتشدتْ، بغتةً، في زحام الصهيلْ؟
ومن أي معمةٍ.. أو رهانْ
ستبزغ، والقلبُ مشروعُ شبابةٍ، لم تشبْ بعدُ.
والأرض مثل سراب الطواحين، تمضي إلى حيث لا تنتهي.
وأنا متعب.
ناهضٌ من دم. راكضٌ في دمٍ. من أمامي صدىً. وورائي عويل؟
أفي العمر متسعٌ كي نقايض أصواتنا بالصدى؟
ونقاضي حناجرنا، حين ترجع مبحوحةً من دوار الغناء؟
وهل يصلح الوجه ما كسّرته المرايا؟
علينا من الدينْ مالا يطيق الجنونُ على ردّه.
وعلينا نذورٌ تطاولُ أعتى الأغاني وأبهى النخيل.
وفينا من الصمت صمتٌ سيشعل كل جبال الثلوج.
ويبني بما سوف يبقى بنا منه: مأذنةً.. وأذانْ.
فلا تسألوا الماءً من أين جاء! ولا تسألوا الطين كيف أتى!
أسألونا عن الشجن المتأله في عرش أشلائنا:
هل سنبقيه في شفة الصمت، حتى انهيار جدار الجليد على الأرض أم هل سنلقيه في برق أول مرثيةٍ قد تحطُ على سمعنا؟
نحن نسأل من لا يجيبُ. فكونوا اختصارَ الجوابِ الذي يوقظُ الطين، من كهنوت الخطايا.
وكونا ارتطام النواعير، في فضة الماء،
والأرضُ تركض مجنونةً، في شواطئ أسمائنا
(هكذا قيلْ).
أو تتوالى إلى اللانهاية.. في فلك الجلنارْ.
وقولوا إذا دارت الأرضُ من حولها دورةً:
ستدور على رأسنا دوتين،
ثلاثاً،
وألفاً..
بلاداً بأجمعها، وهوىً كاملاً، وقرابينَ مؤدةً
وقرابين تدخل طقس شعائرها في فروض الشهادةِ
قولوا إذا أخطأتنا المواعيدُ: ما أبطأتنا الخطى.
واهتفوا، حين لا يهتف الموتُ في عنق أيٍ بنا:
إننا ننتمي، ربما، للذي ليس يشبهنا!
نشبه الماء حيناً، ويشبهنا البحرُ حيناً
وقد نتمادى إلى اللانهايةٍ..
نخلي البحار من الموج،
نُخْلي المياه من الماءِ،
نبقي على شبه واحدٍ:
ليس نشبه هذا.. ولا ذا.
* * *
كأنا نعاند من سبقونا إلى صمتهم ، في شموخ الرحيل.
ونمحو سماء الجهات التي هبطوا من كواكبها
والبلادَ التي بزغت في كواهلهم من هبوب الخطى.
ونعيد رحى الشمس من حيث جاءتْ
ونغمض أوجهنا بالبكاء
.. وننسى عذوبة أحلامنا، قبل أن ينمحي البحرُ،
ننسى دوارَ عواصفه. والملوحةَ.. ننسى انكسارً الصواري على قبضة الريح، والموتُ ينهض من موجةٍ، فيقبض في موجةٍ، ويسلبنا ما نحبُّ بنا أو نُحبُّ به.. و.. إلخْ
فهل يسع البحر أحزاننا، يوم دار بنا الموتُ دورته
– من أعالي الطواحين حتى نهايتها-؟
نحن نرجعُ للموت حتى نخاطبه بالذي لا يخاطبنا البحرُ فيه،
وندخلُ من شفقٍ كان يسبقنا، في ذرى الجلّنارْ.
دخلنا. فهل يسمع الماءُ ما يصرخ الموتُ فيه بأصواتنا:
يوم كان الهوى نرجساً، والأغاني هديلْ.
دخلنا. فلا تذروا- أيها الشهداءُ- المقابرَ تشبهكم.
بل دعوها، كما نحن فيها، ستشبهنا!
ولتقولوا: الذي كانْ:
محضَ كرى، والذي سوف يغرب عما قليل:
بلادٌ على شكل هاويةٍ، وملوكٌ على هيئة الأصدقاء.
دعوني أصالح بين الرثاء وبين الدعاء
وأطلق في الصمت آخر أعيرتي.
سأقول: الطريقُ «لغرناطة»، اليومَ، أقصرُ من أي وقتٍ مضى!
فاثبتوا أيها الشهداءُ، كأنْ لم نكنْ.
وليكن ما يكون!