الإنصهار في رحاب الحب والسلام و التعايش مع “ليوواردين”
1 min read
عن كثب/ بشير المصقري/..
ناجي المريسي شاعر بمهارات فائقة و يمتلك أدوات الكتابة الشعرية بخصوصية تحمل بصمته الخاصة به، و ما أن تقرأه حتى تلحظ هذا المدى الجنوني المأتلق بالحب والسلام والتعايش و الانفتاح على الآخر في علاقاته و مكونات هذه العلاقة سواء الإنسان بالإنسان و الإنسان بالكائنات التي تتنفس و الأخرى في المحيط التي لا تشرئب الأوكسجين، ولعل ذلك السفر والاختطاط الشغوف باحتفاءاته بالحياة و أنساقها في مكنونه الذي يعبر عن تصالح كبير مع الثقافات المختلفة لهو محلك السر في مجموعته البكر الصادرة عن دار عناوين بوك باللغة الانجليزية والتي تحمل عنوان يترجم بالعربية الى ” ليوواردين النَفَس” و ليوورادين مدينة هولندية عاش فيها الشاعر و تعايش مع كائناتها حتى غدت أيقونة حب تنطلق من حبن الكبير والأهم والأسمى وهو حب اليمن الكبير فكل مناجاة من مناجاته الشعرية يحضر فيها الحب او السلام أو القلب أو النبض أو الروح أو المكان إنما تعني بجلاء محبة الوطن الذي احتضن مراحل حياته المشذبة بالعلم و المهذبة بالثقافة والأدب و الفن.
حب اليمن يتغلغل حنايا الشاعر ناجي المريسي الذي أعرفه وأعرف تجربته الأدبية والشعرية بالأخص كما أعرف زوايا قلبي و أزقة روحي ولا أتحدث هنا عبثاً، يعشق اليمن ويحاكي بها مشاعره و احاسيسه المحمولة على أهبة الشعر مدن أخرى هنا وهناك، وبالرغم من أنه عشق بغداد و بيروت و القاهرة إلا أن مدينة هولندية حظيت بهذا الحب، و كان لذلك المأثر قصة، فما أجمل الشاعر الذي يحول المدن إلى نساء و يفرد لعبقها أبجديته، ويضع عطرها في خياله كنصب تذكاري، فجاءت ليوورادين تتويجاً لهذه المسحات الشعرية الحانية التي انداحت في سطور نصوص المجموعة و أياً كان كتبها بالعربية وترجمها فتلك النصوص هي معدة لتجاوز أي فوارق نقل وترجمة لكون ناجي المريسي يفكر ويتأمل و يناور الحياة باللغتين، و إن كان كتبها بالانجليزية مباشرة فتلك النصوص التي بسماعها مترجمة فالمدينة التي تغفو في بلاد الطواحين تستاهل خاصةً إذا عرفنا الميلودراما في هذه القصة التي تحدث فيها الشاعر ناجي المريسي مفسراً تلك المناسبات التي جعلت ليوورادين تحتل غلاف مجموعته هذه والتي قرنها بالنَفَس وهذا المعنى العميق، يوجب كيف أن هذه المدينة ذات أوكسجين لا يتكرر، أو لنقل أن ورورد مفردة النفس في العنوان تعني أن الشاعر لا يحيا إلا في فضاءات المدينة هذه، بينما يمارس حياته في مدن أخرى بصورة فيها من البداهة ما توشي أنه أشبه بميت خارجها، هذا ما يحمله العنوان ” ليوورادين النَفَس”.
وإليكم قصة الشاعر مع المدينة:
قبل أن أعرف هولندا كدولة كنت أعرف هولندا كبشر حيث كنت أعمل مديراً لبعض المشاريع الهولندية في اليمن ولقد كان لديا أصدقاء هنا في اليمن وتعرفت على بعض أصدقائهم في هولندا وكنت على تواصل معهم عبر الانترنت وفي 2006 كنت أدرس في مدينة تورينو في أيطاليا وكان أحد الاصدقاء في هولندا يستعد للاحتفال بعيد ميلاد إبنته وبتواصل معهم عبر الانترنت أخبروني بهذه المناسبة فقررت حضور حفلة عيد الميلاد وسافرت من أيطاليا إلى هولندا، وكانت أول زيارة لهولندا وأول وجهة لي كانت مدينة ليواردن، استقبلتني عائلة بوفن استقبال عظيم وكبير كأنني واحد من العائلة، واستضافتني بكرم وترحاب مما جعلني أشعر بعظمة هولندا وشعبها وحبهم لضيوفهم.
وبعد انتهاء حفلة الميلاد أخذوني بزيارة لكل الأماكن والمعالم والمناظر في ليواردن، فشدني جمال هذه المدينة والقنوات والمعالم التاريخية كل شيء فيها كان جميلا البشر والحجر والطبيعة والبناء.
وهنا عندما كنت أتمشى لوحدي في هذه المدينة، كانت المشاعر تفيض حباً، وبدأت الكلمات تتدفق من روحي وقلبي وخيالي للكتابة عن هذه المدينة، وكانت أول قصيدة اكتبها في هولندا هي قصيدة ليوردن.
لقد زرت هولندا عدة مرات، وفي أعوام مختلفة زيارة عمل إلى عدة مدن، منها انسخدي وامستردام واندهوفن واترخت، وزيارة دراسة الى ماسترخت و ارنهم، لكن ليوردن ظلت هي الوجهة الرئيسية لي في كل زيارة أقوم بها إلى هولندا.. فكل زيارة كنت أقوم بها إلى هولندا كنت أذهب إلى ليورادن لزيارة الأصدقاء هناك، و أمكث فيها بعض الأيام.
في أحد الأيام زارني صديقي الهولندي منسق المشاريع الهولندية لتقديم العزاء في وفاة والدتي، وأثناء الحديث معه أخبرني أنه مسافر إلى هولندا لحضور الحفل المئوي لوالده الذي سيعقد في مدينة ليواردن، فحدثته عن هذه المدينة و اخبرته بأني كتبت عنها قصيدة شعرية، فطلب مني هذه القصيدة لكي يلقيها في حفل والده المئوي، فوعدته بأن أرسلها له عبر البريد الإلكتروني، وبالفعل قمت بإرسالها له و ألقاها في ذلك الاحتفال الرائع.
تفاجئت بعد هذا الاحتفال برسالة عبر البريد الإلكتروني من عمدة ليواردن يشكرني بامتنان على القصيدة ويرحب بي لزيارة ليوردن مرة أخرى، فكان هذا الاهتمام سبباً بأن أجعل عنوان الكتاب باسم هذه المدينة وبالتعاون معهم ومع منظمة دوف للسلام في اسكتلندا تم طباعة الكتاب ونشره في القاهرة وتم مشاركته في معارض الكتاب الدولية في اسطنبول والرياض والشارقة.
أعود لأقول أن الشاعر ناجي المريسي، قد أسس لحلقة وصل ليس بالضرورة أن تكون مباشرة مع ليوورادين، لكن الإصدار البكر للشاعر يؤسس لتجربة هامة، توثق لحدث إنساني، خلق وجهاً آخر هو الوجه الأدبي، ولا يمكن تصنيف المجموعة ضمن أدب الرحلات، لما تحتويه من أفكار شديدة العذوبة بمفردات ذات علاقة بالشعر الإنساني الرقراق.
مبروك للشاعر ناجي المريسي هذا الاصدار و مبروك للساحة الأدبية هذه الإضافة البديعة والتجربة الناضجة و العالية المراس و مبروك للغة الانجليزية بأن تشرفت بإصدار بكر جاء في إطار معجمها و قواميسها.