محمد غبسي
شهدنا خلال العقدين الأخيرين انطلاق قنوات إخبارية عربية وشاهدنا محتوى إعلامياً تفاوت في درجات نجاحه واخفاقاته من حيث المهنية والتوجه السياسي والاجتماعي التي تمكنا مع الوقت من معرفة قدراتها وامكانيات وحرفية كوادرها.
وبالرغم من الأهداف التي رسمتها تلك القنوات وأعلنت عنها لجذب جمهور المشاهدين في منطقة الشرق الأوسط، إلا أنها توقفت عند مستويات معينة وأصبح كل منها يخاطب فئة معينة من المشاهدين كونها تخدم برسالتها قوى وأنظمة محددة لم تتمكن من تجاوزها ولو لشهر واحد.
وهنا نود الإشارة والإشادة بقناة حديثة العهد أطلت بفريق صحفي احترافي يعمل بمهنية حتى الآن، ألا وهي قناة “الشرق للأخبار” التابعة للمجموعة السعودية للأبحاث والإعلام، التي تأسست في نوفمبر 2020، واستطاعت في وقت قصير أن تفرض وجودها في الفضاء الإعلامي كقناة غنية ومتنوعة المحتوى يتميز بتقنيات عرض حديثة.
تقدم قناة الشرق برامجها مصحوبة بعروض مرئية واحصائيات وأرقام مختزلة حولت نشرات وتغطيات الأخبار المملة الى عروض مشوقة ومفيدة، مستفيدة من اتفاقية مع بلومبرغ لاستخدام المحتوى بشكل حصري، وكادر وصل 2700 صحفي ومحلل مالي واقتصادي.
وجد المشاهد اليمني نفسه يتابع بشغف سلسلة وثائقية تبثها القناة منذ أشهر عن مدن ومعالم يمنية، وهي خطوة مفاجئة لمعرفته بأن من سبقتها من القنوات لم تبث عن بلده سوى أخبار الحرب ولا تستضيف في شاشتها سوى الشخصيات التي ساهمت ولا تزال تساهم في الصراع وسفط دماء الأطفال والنساء في عموم اليمن.
السلسلة الوثائقية التي تحمل عنوان “حكايات يمنية”، تقدم أجمل صورة عن اليمن بتصوير عالي الدقة ومعلومات مستندة على التاريخ وبسرد غاية في البلاغة والإبداع يشارك فيه باحثين ومواطنين يمنيين يعبرون عن حبهم وافتخارهم ببلدهم.
من قلعة القاهرة في تعز الى مأرب فالهجرين حضرموت، إلى سوق الملح بصنعاء القديمة والقمرية والجنبية والجبن البلدي، إلى شبام “مانهاتن الشرق” وشبوة ومحمية حوف وجبلة والعقيق اليماني، وغيرها من الرحلات السياحية المجانية التي تأخذك إليها قناة الشرق على بساط من السحر والتصوير الفريد.
التجربة المهنية التي توازن بين نقل الأخبار المتعلقة بالأحداث اليومية وبين أمانة سرد التاريخ والرغبة في اكتشاف الجمال في هذا البلد أو ذاك تفرض اليوم على بقية القنوات أن تعيد رسم سياساتها وأن ترمم علاقتها بالمشاهد في الدول العربية والشرق الأوسط بشكل عام.
ونتمنى في الأخير أن تحافظ قناة الشرق على الثقة التي تكتسبها بجدارة في زمن العزوف عن مشاهدة الأخبار الدموية، وأن تستمر في سياستها التي تبدو حتى الآن محايدة وجاذبة لكل فئات المجتمع.
الخلاصة أن قناة الشرق وإن بدا من اسمها أنها ولدت كفكرة أكبر جغرافياً من سابقاتها إلا أنها ووفقاً للقائمين عليها ومن خلال متابعة محتواها تغطي أحداث العالم بكل جهاته، لكننا نستطيع أن تقول بأنها ستترك بصمة وصورة إعلامية رائدة عن الشرق وأنها ستنافس مؤسسات الإعلام العالمية.