إنه عصر اندثار الأدوات واستبدالها رقميا، منذ سنوات قليلة اختفت محلات بيع كاسيتات واسطوانات الأغاني، انتهت تجارتها وشركاتها، كما انتهت أغلب الإذاعات المحلية والعالمية، إضافة لاندثار مجلات وصحف لطالما عرفناها كمعالم ثابتة للحياة وللأجيال المتعاقبة.
وتدور الدائرة حول اندثار الكتاب بالرغم من بقاءه غريبا في وسط مشغول بممارسة تقنية هائلة، كل يوم تزيح من حياتنا شيئا جوهريا اعتدنا على الالتصاق به والتعاطي معه كأداة او وسيلة عتيه على النسيان.
الصحافة والاعلام والفضائيات غدت في كنف السوشيال ميديا، من كان يصدق أن يحصل كل هذا.!
الكتاب لم تعد قيمته في احتضاننا له واستنشاق عبق أوراقه، ولا بفحواه وما تنطوي عليه سطوره وأوراقه، بل قيمته في شكل صاحبه وطريقة حضوره جنبا الى جنب مع كل الناس عبر الفضاء الأزرق.
زمان كنا نتعطش لقراءة الصحيفة بشوكها الاخاذ، نفتحها من داخلنا ونستنشق حبرها الطري. اليوم راحت كل المعاني الملموسة والمحسوسة وحل محلها الترند والهشتاج بكل خلفياتها ولوبياتها المكشوفة.
اليوم لم تعد الحقيقة حقيقه ولا الثوابت ثوابت ولا الاخلاق اخلاق، كلها باتت رهنا في خضم تقني لا اخلاق له، لا فرق فيه بين المعلوم والمجهول، الكل سواسية أمام الشاشة اليدوية.
لهذا فالكتاب لن يندثر كشكل مادي اعتادت البشرية على مصاحبته والاستماتة في الوصول اليه، بل كمصدر أساسي للمعرفة ووسيلة وحيدة للفن وصناعة الجمال، وعلينا الا نتباكى عليه لأننا الفناه وعشقناه ووصلنا اليه بقدر ما يتوجب علينا الاعتراف بفداحة الاستماتة في معانقة الكتاب حتى النهاية كمولود خالد لن يموت ابدا.
المعرفة تخطت الوسائل المرئية والمقروءة والمسموعة، وصارت انفجارا لحظيا لا يتوقف، فالمعلومة والمعرفة صارتا اقرب الى الشيء الاصطناعي منه الى البشري، رغم انها مازالت تصدر من حواس البشر لكنها صارت تصلنا كفعل الكتروني يقف خلفه حشدا بشريا لا ملامح لعناصره و لا اصل ولا فصل.
الكتاب وان بقى كهاجس حميم لدى الكثيرين لكنه بات كمادة مستنفده لا روح لها ولا نبض، لهذا غدت معارض الكتاب فكرة سخيفة، في زمن يتدفق فيه كل شيء الكترونيا، طلبا وبيعا وشراء.
شاشات السينما والاعلانات عبر الشاشة الصغيرة كانت تمثل ايرادا مباشرا لشركات الإنتاج، اليوم الكل يتسابق على نسب المشاهدة عبر اليوتيوب وكل شبكات السوشيال ميديا.
ثمة تغيير في الجوهر، وصار التمويل يمر عبر أطر الكترونية والحصاد أيضا.
فلا مغني ينتظر منتجا ولا متعهد حفلات عشان يغدق عليه نسبة الأرباح، كل شيء صار بيد عالم الكتروني افتراضي مجهول متقلب.