يوسف بن يعفر*
إن الفنون والثقافة والشعر والرواية والدراما والمسرح والموسيقى والرسم والنحت وغيرها من الفنون والآداب هي الأرضية الصلبة التي قامت عليها حضارات العالم قديما وحديثا ، وليست أموراً ثانوية وتافهة كما يعتقد البعض بل انها الضامن الحقيقي لتخفيف التوحش البشري والهمجية المجتمعية ، والقضاء على التعصب الديني ، والتحجر العقلي، والتخلف الذوقي، والتعسف العرفي.
نعم: لقد كانت هذه الفنون أحد أهم أسباب نجاح الغرب وأهم الأسلحة التي استخدموها في هزيمة التطرف وسلطة الكهنوت الديني ومحاكم التفتيش لما لهذه الفنون من آثار جليلة في تكوين النفوس والعقول على السواء وتهذيب الحواس والشعور، وما توحى به من سمو في العاطفة ، ورقي في الذوق ، وصفاء في الروح ، فالنظر إلى لوحة فنية بلغت الكمال في الصنع ، وقراءة قصيدة أفرغت فيها عبقرية شاعر موهوب، وسماع قطعة موسيقية تضافرت فيها براعة العازف الحساس تبعث في النفس موجة من الشعور الجميل، وتبث في الروح الدماثة والرقة والإيناس. في حين أن القصة الناجحة قد تخلق من قارئها إنساناً جديداً وتسوق إليه رأيا يحتل من عقله موضع العقيدة.
ان الحراسة الشديدة للثوابت والتعصب الأعمى للموروث الديني الفقهي والمذهبي وتحريم الفنون كانت أهم العوامل في تخلف العرب وأهم الأسباب التي أدت الى موت الابداع وضمور العقل واغتيال النقد وتدجين الناس وتكميم الأصوات وبالتالي أدت الى الجمود والتحجر بل وكانت المنتج للتخلف والتطرف والضامن للفقر والذل والإستبداد.
ولو تتبعت بالبحث والقراءة أسباب وعوامل النهضة الغربية وكيف وصلوا الي كل هذا المجد الحضاري لوجدت أنهم لم يبلغوا هذا المجد إلا بعد أن بلغوا الغاية في تلك الفنون الجميلة ، فالفرنسيون لم يدركوا غايتهم الحضارية إلا بعد أن تذوقوا روائع ( روسو ، وفولتير ، ومونتسكيو …) ولم يصل الألمان بغيتهم الإ بعد أن ارتوو بأفكار ( جوت ، وشيلر ، وهيني ، وليسنغ ، وهردر ) وتشبع الإنجليز بروائع ( شكسبير ، وأدموند ، وسنبسر ، جون ميتلون ، جون لوك )…وغيرهم… هؤلاء العباقرة وأمثالهم في : ( الشعر والقصة والرسم الموسيقى والفلسفة ) هم من خلقوا بفنهم إنسانا قريبا من الكمال ومجتمعات ناضجة ومؤهلة للإنجاز والإنتاج والإبداع والإبتكار.
هذا هو سر تفوق الرجل الغربي على غيره ، وليس لأن الرجل الغربي ذكي جدا وعبقري بالفطرة ، أو أن هناك ما يميزه عن بقية البشر ، ولكن لأنه الأكثر شعورا بالحياة والأكثر إحساسا بقيمتها الجمالية، ولأنهم عاشوا حياتهم لذاتها وجمالها ، وعشناها نحن في خدمة غيرنا نصفق للكهنوت ونقدس الماضي والأفكار الجاهزة والمقولبة.
وخلاصة القول : لو سألنا أنفسنا… ما الذي ينقصنا؟
لماذا نحن عاجزين عن الأبداع والإبتكار ، وغير مؤهلين للمنافسة ؟
بل لماذا نشتكي العجز وقلة الحيلة ونلعن سوء الحظ ونحن في القرن الواحد والعشرين ؟
والجواب لأننا فقدنا الإحساس بالجمال والشعور بالحياة وبتلك الفنون الجميلة بل وعملنا على تحريمها ومحاربتها وبالتالي فقدنا كل شيء جميل.
*كاتب يمني