سمّاكِ بـغــدادَ الــيمن.
يا أُختَ صـــنعاءَ التــي
كبُرت على كــلِّ المِحـن
الشمسُ فاكهــةُ الشتاءِ
وأنــتِ فاكهـــةُ الزَّمــن
بنتَ الأشاعرِ والحُصيب
وواحة الذِّكر الحَسَن
إن لم يكن لكِ حبُّنـــا
فلِمَـــن مَحبَّتُـنــا إذن؟
لا غرو أن يتساءل الشاعر العراقي الراحل علاء المعاضيدي وهو يتغنى بهذه الأبيات عشقا في زبيد اليمنية، لا سيما بعد أن أمضى سنوات عديدة مدرسا ورئيسا لقسم الدراسات العربية بكلية التربية فيها، وناقدا يحضر مختلف فعالياتها الثقافية والأدبية شبه اليومية، في هذه المدينة التي يصفها اليمنيون بأنها “مدينة العلم والعلماء” وحاضرة تهامة اليمن.
وتضرب زبيد بجذور أصالتها في عمق التاريخ، على امتداد تعاقب الدول والملوك عليها منذ أن اختطها محمد بن زياد مؤسس الدولة الزيادية عام 204 للهجرة كأول مدينة إسلامية في اليمن، وسميت زبيد -على اختلاف- نسبة إلى واديها “زبيد” لأنها في منتصفه، وأن ما يطلق عليه منطقة “الحُصَيْب” نسبة إلى الحُصَيْب عبد شمس بن وائل بن الغوث، وإلى سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، حسب بعض المصادر.
زبيد.. سمراء البحر والجبل
تقع زبيد على بعد 95 كيلومترا جنوب شرقي مدينة الحُديدة، على الخط الدولي الواصل إلى تعز، كما تبعد عن العاصمة صنعاء نحو 233 كيلومترا باتجاه الجنوب، وتتوسط المدينة قرب سفوح سلسلة الجبال التي تحدها من الشرق، وعلى مرمى حجر من شاطئ البحر الأحمر حيث مينائي “غليفقة و”الفازة”، وامتداد النخيل الطويل المحاذي للطريق الساحلي الدولي الرابط بين مدينتي الحديدة وعدن.
ولإن كان إرث زبيد التاريخي وموقعها بهذه الأهمية والتفرد، فإن فضول التساؤل عن واقع المدينة اليوم يشغل كثيرين، خاصة بعد نحو 8 سنوات من الحرب التي ألقت بظلالها على كل شيء في اليمن.
مكتبة زبيد.. إشعاع يقاوم سنوات الحرب
كانت البداية من بوابة مكتبة زبيد العامة التي طالما كانت مقصدا للباحثين ومحبي الكتاب والقراءة، ويؤكد مدير المكتبة هشام عبد الله ورّو -في تصريحات للجزيرة نت- أن زبيد في زمن الحرب هي المدينة الصامدة في وجه من يحاول نخر قاعدتها المتينة القائمة على أساس من الوسطية والاعتدال، وأنها كانت وستبقى مركز إشعاع علمي وثقافي على مر العصور.
ويشير ورّو إلى أن المكتبة ما تزال تفتح أبوابها أمام مرتاديها من أبناء المدينة وتهامة واليمن ككل، رغم الحرب وانقطاع أسباب الدعم عن المكتبة منذ 8 سنوات، وظلت تتصدر المشهد الثقافي وترفده بأحدث الإصدارات، وتشجع المواهب والإبداعات وتربط علاقة تعاون ثقافي مع المحيطين الوطني والإقليمي، وفق قوله.
ويضيف ورو أن المكتبة تصدر مجلة ثقافية وعلمية نصف سنوية تحمل اسم “زبيد”، وتهتم بالدراسات والبحوث وأحدث التجارب الإبداعية، منوها إلى سعيهم لاستمرارها بعد أن توقفت عقب رابع إصدار لها، لافتا إلى تبني المكتبة فعاليات سنوية عديدة كمسابقات حفظ القرآن الكريم، ومسابقة شاعر زبيد للشعراء الشباب، إضافة إلى معرض زبيد الدولي للكتاب الذي انعقد بمشاركة 40 دار نشر محلية وعربية وحضور رسمي وشعبي.
ودعا مدير المكتبة إلى الاهتمام بها كونها منجزا فاعلا، فضلا عن أنها تتميز بتنويع أساليب المعرفة والثقافة، وتجمع بين الكتابين الورقي والإلكتروني، وتمثل مركزا تدريبيا وتطويريا في مجالات أخرى، كالإدارة والتنمية البشرية والحاسوب واللغات.
جامع الأشاعرة.. ريادة منذ صدر الإسلام
رغم عدد مساجدها الكثيرة، التي تقترب من 200، وفق بعض الإحصاءات المحلية، وجُلها يعود لعصور قديمة؛ فإن جامعي زبيد الكبير والأشاعرة يحظيان بشهرة واسعة في المدينة، التي ينسب إليها الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري، بعدما قدم ضمن وفد الأشاعرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صدر الإسلام.
وقال عنهم حينها الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام “أتاكم أهل اليمن، أرق أفئدة وألين قلوبًا، الإيمان يمان والحكمة يمانية”، وفق مصادر عديدة. وذلك قبل أن ينسب إلى أبي موسى الأشعري لاحقا تأسيس هذا الجامع في السنة الثامنة للهجرة، ليكون ثالث مسجد في اليمن بعد الجامع الكبير في صنعاء وجامع الجند بتعز، ليظل أحد الشواهد والمعالم البارزة التي تكتسب مكانة دينية وتاريخية في نفوس اليمنيين، وأبناء تهامة وزبيد خاصة.
ورافقت ذلك أعمال ترميم على فترات متلاحقة، سواء في عهد دولة سلاطين بني رسول أو الدولة الطاهرية وغيرها، وشمل ذلك توسعة للجامع الذي يضم حاليا ملاحق عدة، من أهمها مدرسة الأشاعرة في الجهة الغربية، إلى جانب مكتبتين تضمان نوادر المخطوطات ومقصورة للنساء.
هل شُطبت زبيد من قائمة التراث الإنساني؟
كانت اليونسكو وجهت إنذارات عدة بشأن زبيد التاريخية، منها ما كان في المؤتمر 36 للجنة التراث العالمي بالمنظمة المنعقد في سانت بطرسبورغ في يونيو/حزيران 2012، قبل أن تمنح المنظمة الأممية -المعنية بمجالات الثقافة والتربية والعلوم الإنسانية- اليمن فرصة أخيرة لاتخاذ خطوات جادة وتدابير فعلية تحول دون شطب زبيد من اللائحة، وهو ما أثار حينها مناشدات يمنية عدة وحملات من ناشطين ومؤسسات يمنية لتلافي مواجهة هذا التهديد وإخراج المدينة من قائمة اليونسكو لمدن التراث الإنساني.
غير أن سفير اليمن الحالي لدى اليونسكو محمد جميح يؤكد للجزيرة نت أن كون “زبيد على قائمة التراث المعرض للخطر لا يعني خروجها الحتمي من قائمة التراث العالمي، بقدر ما يسلط الضوء عليها وعلى غيرها من مواقع معرضة للخطر، من أجل التحرك لعمل شيء”.
ويضيف جميح أن “مواقع التراث العالمي في اليمن هي صنعاء القديمة وزبيد وشبام حضرموت، بالإضافة إلى سقطرى كتراث طبيعي، وأن “المواقع موضوعة على قائمة التراث المعرض للخطر منذ ما قبل الحرب، بسبب عوامل كثيرة منها الإهمال والعوامل الطبيعية وغيرها”.
ويلفت سفير اليمن لدى اليونسكو إلى أنه “خلال السنتين الأخيرتين كان لليونسكو دور في ترميم بعض المنازل”، مشيرا إلى أنه اليوم الأربعاء يجري في بروكسل تدشين “مشروع آخر لحماية وترميم بعض مواقع التراث العالمي في اليمن، بما في ذلك زبيد، ضمن مشروع يقدم كدعم من الاتحاد الأوروبي”، والمؤمل -وفق جميح- أن تكون هناك دعوة عالمية للحفاظ على آثار اليمن، وعقد مؤتمر دولي بذلك تحت رعاية اليونسكو.