عن كثب/.. ربما لم تحظَ شاعرةٌ عراقية بحضور دائم في ذاكرة الثقافة العربية المعاصرة مثل نازك الملائكة (1923 – 2007)، التي برزت خلال فترة التحوّلات في الشعر العربي، حيث شهدت تلك الفترة ظهور أسماء بارزة كان لها أثرٌ كبيرٌ في حركة التجديد الشعري؛ مثل بدر شاكر السياب (1926 – 1964). وفي حين اُعتبِرت الملائكة أنّها أوّل من تجاوز الشعر التقليدي وكتب القصيدة الحرّة، نسبَ السيّاب لنفسه الريادة في ذلك، إلى جانب آخرين. وقد ظلّ الجدلُ قائماً حول من له الأسبقية.
في الثالث عشر من آذار/ مارس الماضي، اختارت “المنظّمة العربية للثقافة والفنون” (الألسكو) ووزارة الثقافة العراقية، الملائكةَ “رمزاً للثقافة العربية” لعام 2023، وذلك بالتزامن مع مرور مئة عام على ولادتها.
وفي هذا السياق، انطلقت، عند السادسة من مساء الأربعاء، على “مسرح الرشيد” وسط بغداد، الاحتفالية التي تُقيمها وزارة الثقافة بالتعاون مع “اتحاد الأدباء العراقيّين”، تحت عنوان “مائة عام على ولادة نازك الملائكة”. تستمرّ الاحتفالية حتى غدٍ الخميس، بمشاركة شعراء ونقّاد عراقيّين وعرب، وتشهد إقامة أنشطة ثقافية مختلفة.
يتضمّن اليوم الأوّل حفلاً موسيقيّاً من تقديم “فرقة سومريات”؛ التي تتألّف من تسع وأربعين عازفة على مختلف الآلات التراثية، وعرضاً لفيلم وثائقي عن حياة الشاعرة العراقية الراحلة، وقراءات لمختارات من قصائدها من إلقاء الأكاديمية شذى سالم، إلى جانب جلسة شعرية بمشاركة سبعة شعراء عراقيّين وعرب، بينما يتضمّن اليوم الثاني عدداً من الجلسات النقدية التي تتناول تجربة الملائكة الشعرية وأثرها في الشعر العربي، إلى جانب تجربتها النقدية.
مسلسلات رمضان وانتقال اليمن من الكوميديا إلى الدراما
من جهة أُخرى، صدرت مجموعة من الكتب بالتزامن مع مئوية ميلاد الشاعرة العراقية؛ من بينها كتاب جماعي بعنوان “نازك في حنجرة الأدب” عن “اتّحاد الأدباء العراقيّين”، و”نازك الملائكة بين واقع التجديد وحركة الحداثة” لماجد صالح السامرائي، والطبعة الثانية من “نازك الملائكة بين الكتابية وتأنيث القصيدة” لعبد العظيم رهيف السلطاني. وقد صدر الكتابان عن “دار الشؤون الثقافية” التي أعلنت أيضاً عن إصدار الأعمال الشعرية الكاملة لنازك الملائكة ضمن مجلّدَين في طبعة جديدة.
يقول الناقد عبد العظيم رهيف السلطاني، الذي يوقّع كتابه خلال الاحتفالية، إنّ “تجربة نازك الملائكة ذات مكانة هامّة في الثقافة العراقية والعربية، لأنّها قدّمت نموذجاً في كسر التقليدي والمألوف وتحريك الراكد، من خلال جرأتها على ثقافة الاقتفاء المتمثّلة في الشعر العمودي التقليدي، وربطها الشعر بواقع الحياة وحركتها”.
ويضيف: “منجزها لا يقتصر على البعد الأدبي، بل يتجاوزه إلى سيرتها المنفتحة؛ فقد تحصّلت على شهادات أكاديمية هامّة، وأتقنت ثلاث لغات، وتعلّمت العزف على آلة العود، كما كانت تَظهر بزي مدني جريء في وقت. وكلّ ذلك جعل منها علامةً على الحداثة. لقد فرضت حضورها على مجايليها مثلما فرضته على الأجيال اللاحقة”.
وعن تجربتها النقدية، يقول رهيف السلطاني: “نازك الملائكة ناقدةٌ مهمّة أيضاً؛ فقد كتبت مقدّمة نقدية في غاية الأهمية لديوانها ‘شظايا ورماد’ في نهاية الأربعينيات، دعت فيها إلى تجاوُز التقليدي وإلى تجديد لغة الشعر، ولم تتوقّف عند هذه المقدمة، بل واصلت كتاباتها النقدية؛ ومن مؤلّفاتها في هذا السياق: ‘سايكولوجية الشعر ومقالات أُخرى’ و’الصومعة والشرفة الحمراء'”.
من جهته، يقول الأكاديمي والناقد عبد الله إبراهيم، والذي يشارك في الاحتفالية غداً بمداخلة تحمل عنوان “التجربة الأدبية للرائدة نازك الملائكة”: “عاشت الملائكة في منزل لا يُسمع فيه ضجيج، وحملت لقباً يشي بالهدوء، وكتبت نصوصاً يطغى عليها حزنٌ شفّاف. لكنّها، وعلى خلاف كلّ ذلك، أثارتْ من حولها صخباً قلّ نظيره مذ ابتكرت قصيدةَ التفعيلة الأولى في الأدب العربي”.
ويضيف: “الصخب حول ريادتها، وحول شعرها ونقدها، لم ينقطع أبداً منذ نهاية الأربعينيات وحتى الآن”. ويردف: “لقد شعرَت بأنّها ظُلمت وانحسر عنها الاهتمام، وسُلّط على غيرها. وأحسب أنّ بحثاً ثقافياً استقصائياً حول نشأة الشعر الحديث من شأنه أن يضع نازك الملائكة في المقام الذي ينبغي أن تكون فيه”.
عن “العربي الجديد”