عن كثب/.. يعاني معظم الملحنين والشعراء من الإجحاف المعنوي بسبب أنانية بعض المطربين الذين لا يهتمون سوى لمصالحهم الخاصة متناسين أن من يقف وراء نجاح أغانيهم “الضاربة” مبدعان يلعبان دوراً أساساً في صناعة نجوميتهم أو استمراريتها هذا عدا عن تجريد آخرين حقوق المبدعين المعنوية كاملة من خلال الاستيلاء على ألحان الملحنين المغمورين ونسبها إليهم.
وبسبب نشوة الشهرة والنجومية، يتحفظ عدد كبير من المطربين الحاليين عن ذكر اسم الشاعر والملحن في مقابلاتهم أو عند وجودهم على المسرح بينما كان يحرص عبدالحليم حافظ مثلاً على كيل المديح للجنود المجهولين الذين شاركوه في صناعة الأغنية، ومن دون أن ينسى توجيه التحية إلى أعضاء الفرقة الموسيقية.
دبلوماسية ومشكلات
في هذا الإطار يرى الفنان فايز السعيد أن النجومية مسألة متكاملة تقوم على الاختيار الصحيح للأغنية كلاماً ولحناً وتوزيعاً وأداء، لكن المقاييس اختلفت والبعض يحققون النجاح لأسباب غير مفهومة ومن طريق الحظ، بدليل اكتساح أغان تافهة لمغنين أصواتهم متواضعة ولم نعد نفهم مقاييس نجاح الأغنية، عدا عن أن السوشيال ميديا جعلت كل شيء متاحاً وتراجع الاعتماد على الإذاعات والمحطات الموسيقية.
أضاف أنه اكتشف كثيراً من الأصوات بينها بلقيس وفؤاد عبدالواحد وداليا مبارك، ويتابع ونجحت أيضاً مع أصالة قبل 22 سنة بأغنية “روح وروح” التي تغنيها في كل حفلاتها، ومع حسين الجسمي في نحو 50 أغنية منذ أول ألبوماتها وحتى اليوم، وكذلك مع راشد الماجد.
السعيد، الموجود على الساحة الفنية منذ 30 سنة يفرق بين الفنانين المحترمين والذين يفكرون بأنفسهم وبصورتهم لا أعرف ما الذي يمنع بعض المطربين من ذكر كيفية ولادة الأغنية، وعادة الجمهور لا يكترث لكواليس العمل، ولكن يفترض بالمؤدي أن يعطي الملحن والشاعر حقهما المعنوي، وأن ينوه إلى تعامله معهما.
يضيف، التعامل مع الوسط الفني صعب ويبقى لكل ملحن طريقته في فرض رأيه واحترامه، فهناك من يبالغون في مدح المطرب كسباً لرضاه وهناك من يعتمدون الدبلوماسية من أجل مصلحة العمل والبعض يبحثون عن المشكلات لتحقيق الشهرة.
وعن إمكانية إلغاء الذكاء الاصطناعي لدور الملحن يشير إلى ضرورة خضوعه للرقابة لأنه يتحكم بالأغنية كلاماً ولحناً وأداء. يستدرك، هو يصنع سلطة من الموجود ولكنه لا يبتكر الجديد كما الشاعر والملحن.
مبدع ومؤد
الشاعر والملحن عماد شمس الدين يفرق بين المبدع أي الشاعر والملحن والمغني الذي يقتصر دوره على الأداء فيقول، الأنانية صفة مشتركة عند بعض المغنين الذين لا يهمهم سوى أنفسهم ويتناسون المبدع الذي ساعدهم في النجاح.
يشير إلى أنه ابتعد في الفترة الأخيرة عن الوسط بسبب تراجع مستوى الأغنية التي انتشرت حتى بأصوات النجوم. فبهدف التوفير يتعامل بعض المطربين مع ملحنين يقبلون بأجور متدنية، ولا يمكن أن أساوم في أجري، خصوصاً وأنني لا أعتمد على الفن بل لدي مورد رزق آخر.
الجندي المجهول
في المقابل يعتبر الناقد عصام زكريا أن المبدع هو الجندي المجهول في العمل الفني أما المؤدي فهو في الواجهة، يتمتع بعوامل جذب المشاهد، ويلعب دوراً أساساً في نجاح العمل أو فشله.
يضيف، المبدع يكون محط تقدير والمؤدي يحصد المال والنجومية ولكن حقوقه المادية تنتهي عند حدود أدائه للأغنية أما المبدع فيستفيد مادياً في كل مرة تؤدى فيها. أم كلثوم تقاضت أجراً لقاء أداء الأغنية قبل 70 عاماً ولكن ورثة محمد عبدالوهاب وكمال الطويل ومحمد الموجي وبليغ حمدي يستفيدون مادياً من حق الأداء العلني للأغنية في الحفلات والبرنامج أو عند الاستماع إليها على “يوتيوب” أو استخدام موسيقى الأغنية في فيلم أو مسرحية، لكن المؤدي نادراً ما يسند الحق المعنوي لأصحابه، ويمكن أن يستولي أحياناً على حق المبدع عندما يأخذ من ملحن مغمور وموهوب ثمانية ألحان ويشترط أن يكتب أربعة منها باسمه ثم يدعي أنه الملحن أو المؤلف لكي يقال، إنه متعدد المواهب وليس مجرد مؤدٍ فقط. هذه المسألة ترتبط بأخلاق المؤدي وسلامته النفسية.
هكذا تحولت فلسطين على الخرائط لإسرائيل في 7 عقود فقط؟
يردف، عادة تنسب الأغنية إلى مؤديها فيقال أغنية فيروز أو أصالة أو عبدالحليم حافظ، وقلائل هم الملحنون الأقوى من المؤدين، وعندها يقال أغنية بليغ حمدي أو محمد عبدالوهاب أو الأخوين رحباني، وهذا الأمر نسمعه من الجمهور الذواق، والأمر نفسه يحصل في السينما لأن الجمهور يظن أن الممثل هو المبدع، ولا يعرف أن هناك مخرجاً يوجهه ويجعله يعيد المشهد 40 مرة. كلما ارتفع ذوق المتلقي أدرك تعقيدات العمل الإبداعي.
الجيل القديم من الفنانين أكثر احتراماً للمبدعين من الجيل الحالي بحسب رأي زكريا الذي يضيف أن هناك مشكلة أيضاً عندهم تكمن في سرقة البعض ألحاناً عالمية وإعادة توزيعها. في هذا الزمن، هناك تراجع في تقدير الملحن وهو يركض وراء المؤدي لأنه يتحكم في كل شيء مع أنه يتشارك معه، ومع الشاعر في صناعة العمل الناجح، خصوصاً إذا كان يتمتع بأذن موسيقية رفيعة ويجيد اختيار اللحن الجيد وتأديته.
ثنائية المطرب والملحن
إلى الإجحاف المعنوي في حق المبدعين، يشرح الناقد الدكتور جمال فياض الإجحاف المادي الذي يتعرض له المؤلف والشاعر في لبنان، حيث يقول يفترض بجمعية المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى (المنتجون) أن تجمع الأموال التي يجنيها الأداء العلني للأعمال الفنية وتوزيعها بالتساوي على الشاعر والملحن والناشر ولكن الجباية لا تطبق وفق الأصول والسلطة هي المسؤولة كونها الجهة المخولة بإغلاق المكان الذي يمتنع عن دفع المال المتوجب عليه، وحتى الأغاني والموسيقى التي تنتشر على “يوتيوب” الذي يدفع ثمن أدائها يمكن لصاحب العمل أو شركة الإنتاج التقدم بشكوى فيتم إيقافها أو يتحول الحق المادي عن نسبة المشاهدة مباشرة إلى صاحب العمل، ونتيجة الغبن الذي يلحق بالمبدع يفضل الاعتكاف مما يؤدي إلى تراجع الموسيقى الجيدة.
يوضح، في أوروبا يصبح الملحن من أصحاب الثروات عندما تكتسح الأغنية، أما في لبنان فتدفع المطاعم مبلغاً مقطوعاً لا يتجاوز ألف دولار سنوياً يقسم على كل الملحنين، وكذلك تفعل بعض الإذاعات الخاصة، أما إذاعة لبنان فلا تدفع مستحقاتها منذ سنوات بعيدة.
كما يلفت النظر إلى موضوع خطر يتمثل في فرض بعض شركات الإنتاج على الملحنين التنازل عن حق الأداء العلني، ويشير إلى أن الملحن الذي يرضى يذهب حقه إليها بعد انتشار الأغنية، كما يحق للشركة المنتجة أن تبيع حق الأداء العلني للحن الذي تشتريه لأي مطرب.
ولأن المؤدي لا يكترث لحقوق المبدع المادية فمن الطبيعي ألا يكترث لحقوقه المعنوية بحسب فياض، المؤدي أناني وهمه الوحيد نجاح الأغنية وإحياء الحفلات وشركات الإنتاج يهمها رضاه ولا تكترث لأمر الملحن إلا إذا حقق نجاحات متتالية. المشكلة، أن المؤدي لا يحترم الملحن والملحن لا يطالب بحقه خوفاً من ضيقه، مع أن المبدع هو الذي يقف وراء نجومية المؤدي.
يتابع الكل يعرف أن ثنائية سمير صفير ونزار فرنسيس صنعت نجومية وائل كفوري وعاصي الحلاني وثنائية بلال زين وأحمد ماضي صنعت نجومية فضل شاكر عدا عن أن زين أعاد البريق لـكفوري بعد تراجعه، وثنائية أحمد ماضي وزياد برجي تصنع اليوم نجومية برجي المطرب وثنائية منصور الرحباني وابنه أسامة صنعت نجومية كارول، ودور إحسان المنذر في بدايات راغب علامة وحسن سعد في نجومية وائل جسار في مصر، ودور زياد الرحباني في شهرة جوزف صقر وفي مسيرة والدته بعد ابتعادها عن الأخوين رحباني.
يضيف، في المقابل أسهم بعض المطربين في شهرة الملحن عندما نجحوا في إيصال أعمالهم، ولكن عدد الملحنين الفاعلين أصبح قليلاً ولم يعد يهمهم صناعة نجومية المطرب مقابل حفنة من الدولارات، فسمير صفير ابتعد عن التلحين، وبلال زين غادر إلى السويد لأن استهتار المطرب يدفع الملحن إلى الانسحاب، ومن بعده نادراً ما يوفق بملحن يفهم شخصيته وصوته.
عن “اندبندنت عربية”