رحل الزميل الصحفي والكاتب المثقف المقالح عبدالكريم، وقد ترك بصمة صحفية وأدبية تفرد بها عن غيره، وقد شهدنا له حضورا مكثفاً في الأشهر الأخيرة من حياته وكأنه أراد أن يضع خلاصة تجربته الصحفية في متناول الجميع، كدروس مجانية في الصحافة الفنية والأدبية وكـ تلويحة وداع ملونة. توفي وهو في ذروة من النشاط والتواصل مع الفنانين والمبدعين وهو عاقف أصابعه للكتابة عن اللوحات والأفكار والزوايا والأزقة والأسماء الشابة المغمورة في أكثر من فن ومجال. بعد أكثر من أسبوعين على وفاته بجلطة قلبية وصلتني رسالة من الصديق خالد الوصابي – وهو أحد الشباب المبدعين في مجال الخط العربي – يعزيني فيها برحيل الزميل المقالح مرفقة بحوار أجراه معه توقف في منتصف الطريق. وبعد قراءة الأسئلة التي بعث بها المقالح للشاب الخطاط وجدت نفسي أمام صحفي غير عادي بمعنى الكلمة، فالأسئلة التي قسمها وصاغها في ملف رقمي يحمل عنوان “سيماء وسيمياء” مقسم بعدة عناوين، والحوار مقسم إلى أربع محاور، الأول بعنوان أوليات “نماذج لوحات، صور شخصية”، والثاني بعنوان _ فضاءات وفيه 15 سؤالاً ، والثالث بعنوان شرفات يتضمن عدة أسئلة بشكل مختلف طلب فيها من الخطاط إجابات عملية يختبر فيها قدراته ومعرفته الفنية كشاب موهوب ومبدع، أما الرابع فكان بعنوان “كواليس” وفيه سبعة أسئلة مكثفة، نقل من خلالها كلاً من الحوار والفنان إلى مرحلة النضج والمسؤولية. وأنا أتصفح الحوار شعرت بمسؤولية مهنية كبيرة وغير مسبوقة، كانت أول فكرة في البال هي أن أنشره في صحيفة الثورة التي كان زميلنا الراحل أحد أبنائها وكوادرها الصحفية المحترفة، تواصلت بمدير التحرير الأستاذ عباس السيد فأبدى حماساً لنشر الحوار، مؤكداً “من حق الثورة أن تنفرد بنشر آخر مادة صحفية للزميل المقالح عبدالكريم، فالثورة كانت وما تزال منبراً لأبنائها الذين يزينون صفحاتها بكتاباتهم ونتاجاتهم الفريدة”. إضاءة الخطاط خالد الوصابي من مواليد وصاب العالي 1987م، أب لطفلين “ولد وبنت”، ثانوية عامة مقيم في المملكة العربية السعودية، هوايته الرسم والخط منذ الطفولة، يسعى للحصول على إجازة في الخط، وقد شارك في “ملتقى خط الحرمين الشريفين 2020″، كما شارك في المسابقة اليمنية الأولى للخط العربي 2020م، وحصل على المركز الثاني في الخط الديواني في المسابقة اليمنية الثانية للخط العربي 2021م.
– خطوتي الأولى في عالم الخط العربي، جاءت بالفطرة وتأثرت بكل ما هو جميل في هذه الحياة، وقد كنت شغوفاً بهذا الفن منذ الصغر قبل التحاقي بالمدرسة كنت أقلد كل شيء سواءً من الرسومات التي كنت أراها في كتب إخواني أو من تشكيلات الطبيعة التي خلقها الله بكل تفاصيلها الدقيقة والجميلة.
كنت أمتلك يداً خفيفة للكتابة أينما حللت أضع لمسة، أكتب بالأقلام على دفاتر إخواني اشخبط على الرمل الناعم في سطوح المنزل في القرية، أحفر بالمسمار على الأبواب الحديد المطلية بالرنج وهذا النوع الذي كان يثير غضب الوالد فيهددني بالعقاب لظنه أن ما أقوم به عبث.
حتى الآن كم مرحلة إبداعية في مشوارك الفني؟ وكم دامت كل مرحلة؟
– هناك ثلاث مراحل، الأولى هي البداية، الموهبة الفطرية واستمرت خلال سنوات الدراسة بالكامل، والثانية هي مرحلة انتقالي للغربة وعملي في نفس مجال موهبتي، حيث اشتغلت في مكة بالتحديد في مجال فني يختص بالكتابة على أغلب الأشياء كالحفر على الحديد والزجاج أو الحرق على الخشب والجلد، واستمرت هذه الفترة ما يقارب سبع سنوات ومازلت أمارسها، أما الثالثة فهي مرحلة العزم والتعليم عبر منهجية صحيحة وقواعد وأسس ثابتة، وهذه الفترة بدأتها قبل ثلاث سنوات واعتبرها بداية مشواري الصحيح نحو عالم الخط العربي الفسيح والعميق.
درس الخط العربي ورحلة إجادته.. هل قمت بذلك على نحو أكاديمي؟ وأين؟ أم كان ذاتياً؟ أم بمساندة خطاط محترف؟ من هو؟ وكم استمرت فترة اكتشاف الأسرار؟
– لم أقم بدارسة الخط بشكل أكاديمي في أي مدرسة أو معهد خاص بالخط العربي ولم أتتلمذ على يد أستاذ معين، إنما مجهود ذاتي من حيث المتابعة والاطلاع على كراريس الخطاطين القدامى ومتابعة فيديوهات من اليوتيوب، مثل سلسلة فيديوهات خط النسخ للأستاذ زكي الهاشمي الذي يعتبر أسطورة النسخ في الوقت الحاضر على مستوى الوطن العربي، باذلاً جهداً كبيراً في خدمة الخط وله فضل كبير على أغلب النساخين اليمنيين وغيرهم.
كما استفدت من توجيهات بعض الأساتذة في بعض الأمور الغامضة، وكذلك انضمامي لقروبات واتس منها سلسلة (كيف أصنع بنفسي) بفروعها المتعددة لأغلب المجالات في الخط والرسم، وتحت إشراف كادر من الأساتذة الخطاطين اليمنيين المتطوعين الذين لم يكلّوا ولم يملّو من تعليم هذا الفن بشكل مجاني.
ومن الأساتذة الذين استفدت منهم في هذه الجروبات – وخاصة قسم النسخ والديواني، وبذلوا جهداً كبيراً في المتابعة والتصحيح لي ولغيري – الأستاذ مطيع النقيب والأستاذ رضوان الديلمي والأستاذة أميرة غيثان والأستاذ معاذ عبد الواحد وغيرهم.
أما بالنسبة لفترة اكتشاف الأسرار في عالم الخط العربي فهي مستمرة ومصاحبة لفترة التعليم ولن تنتهي، فكلما تعمقت أكثر فتح لك الخط أبواباً وأسراراً أكثر وخاصةً خطيّ النسخ والثلث، وأحياناً تشعر بالإحباط وعدم الاستمرار بالرغم أنك وصلت إلى مرحلة لا بأس بها، وأغلب الخطاطين القدامى وصل بهم العمر إلى مراحل متقدمة لكنهم مازالوا بين فترة وأخرى يكتشفون سِرّاً جديداً.
وبعض الخطاطين القدامى قالوا إن المرحلة الإبداعية في الخط لن تكتمل ولن يصلوا إلى نتيجة محددة وأن الخط العربي لازال قابلاً للتطوير مع الزمن.
الإبداع بداياته الأولى التأثر بالآخرين؟ ماذا عنك من أثر فيك؟ وكيف؟
-عندما انتقلت إلى المدينة تأثرت باللوحات الدعائية وأبواب المحال التجارية المكتوبة بخط اليد لبعض الخطاطين وكنت أعتقد حينها أن الخطاط يتفنن بالكتابة حيث يشاء من الناحية الجمالية ولم أكن أعرف حينها أن الخط علم، له قواعد وأسس ثابتة، فكنت آخذ من هذا وذاك اللمسات التي أحبها.
اللوحات الخطية التي أسرتك سواء في بداياتك أو مراحل متقدمة؟ لمن كانت من الخطاطين؟ ولماذا هم بالذات؟
– في البداية أسرتني اللوحات المكتوبة في القرآن الكريم بخط الثلث جلي، في بدايات المصاحف وأغلبها للخطاط عثمان طه..
وفي المرحلة الثانوية اقتنيت كراسة للمرحوم هاشم البغدادي واكتشفت أن هناك أكثر من خط غير خطي الرقعة والنسخ اللذين كنت اعرفهما سابقا، لكن للأسف اكتفيت منها بلمحة عن أنواع الخطوط وهجرتها ولم استغلها وأتعلم منها بطريقة جدية ومفيدة.
أما في المراحل المتقدمة هناك لوحات كثيرة أسرني جمالها وصعوبة ودقة تراكيبها وأغلبها لخطاطين أتراك قُدامى أصبحت في الوقت الحاضر مراجع لأغلب الخطاطين، لأن مدينة “اسطانبول” التركية تعتبر ماضياً وحاضراً قبلة الخطاطين والبذرة الأولى لبعض أنواع الخطوط.
* حكايا الخط من خلال تجربتك الشخصية..ما كانت أصعب الخطوط وما كان أسهلها.. ولماذا؟
-أسهلها خط الرقعة، وأصعبها خط الثلث لكثرة تفاصيله بأصغر الجزيئات في حركة الحرف الواحد وصعوبة تراكيبه..
أيضاً خط النسخ لا يقل صعوبة عن خط الثلث، وربما يمتلك تفاصيل دقيقة وأسراراً جمّة أكثر من الثلث.
* الخطوط التي تجيدها؟ وهل ثمة خطوط أخرى لا تجيدها.. مثلا ما هي؟ ولماذا؟
– وصلت لمراحل متقدمة في خطي النسخ والديواني لكن لم أصل للإجادة المطلقة، فالإجادة تستغرق سنوات من عمر الخطاط في أغلب الخطوط من الممارسة والمتابعة والمثابرة والاجتهاد، وقد يرى البعض أن هذا الخط أو ذاك جميل ومتقن في نظرهم، غير أن أصحاب الخبرة والدراية والمعرفة العميقة في هذا المجال وحدهم من يحكمون على قوة الخط من ضعفه.
من بينها أي الخطوط المفضل لديك ولماذا؟
– النسخ لجماله، والديواني لليونته ورشاقته وبحكم تعمقي فيهما أكثر من غيرهماً.
عندما تسحبك عبارة إلى مداراتها..كيف تختار نوع الخط الذي ستجسدها به؟
– على حسب معناها ونوع الخط الذي يناسبها ويجعل شكلها أجمل بعد كتابتها.
أمثلة .. عبارات.. ونوع الخط الذي نفذت به؟
– مثلاً: عبارة (ما أقبل العيد أو هبّت نسائمه إلا وذكرك في نبضي وأفكاري)
بما أن العبارة تتحدث عن العيد وأجواء الفرح وهبوب النسمات وذكر الحبيب حبيت امشقها بالخط الديواني لرشاقتة وانسيابيته ليتناسب مع جمال العبارة، أما إذا كانت العبارة دينية فغالبا ما تكتب بخط النسخ، والعبارات الطويلة غالبا ما تكتب بخط الرقعة، لاختصارها مسافات السطر، والعبارات القصيرة كالعناوين وغيرها فيفضل أن تكتب بخط الثلث أو الثلث جلي وهكذا.
خامات فن الخط مجهولة للكثير أنا أولهم، بحيث تعد سر الأسرار حدثنا عن تلك الأنواع والمسميات، مصادرها، مدى توفرها في الأسواق المحلية سواء هنا أو في الغربة؟
– أدوات الكتابة الأساسية
* القلم
ينقسم إلى قسمين: القصب والأقلام المعدنية، القصب منها أنواع عدة مثل “الديسفولي والجاوا والطومار والبامبو” وتختلف مميزاتها من نوع لآخر، والأقلام المعدنية المقصوصة منها الماركات مثل “الباركر والبلاتجنام والبايلوت” ومنها الأنواع الصينية بالإضافة إلى السلايات (وهي قطع معدنية مقصوصة كرؤوس الأقلام تركب على مقبض كالقلم).
* الورق
ويوجد منه عدة أنواع منها، الورق المقهر ويستخدم في تنفيذ اللوحات الخطية وخاصة في المسابقات، وهناك ورق الكوشيه الناعم والخشن ويستخدم للتمارين اليومية وبعض الكتابات البسيطة، وهناك أيضا أنواع عدة أنواع من الورق قابلة للكتابة بشكل جميل.
* الحبر
هناك نوعان حبر عربي يصنع بطريقة تقليدية من بعض الخطاطين، وهناك الحبر الجاهز وأفضلها حبر الدايسو الياباني “يستخدم للمحبرة”، وحبر كاليجرافي وبايلوت وغيرها تستخدم لتعبئة الأقلام الجاهزة لأنها سائلة وتناسبها.
*المحبرة
هي علبة زجاجية أو بلاستيكية نضع فيها الحبر ونستخدم الكتابة عن طريق الغمس
*الليقا
هي خيوط حرير تضع داخل المحبرة ونضع عليها الحبر لتعطي القلم عند الغمس القدر الكافي من الحبر، فبدونها اذا غُمس القلم مباشرة في الحبر يحمل حبرا كثيرا وتخرب الكتابة ويشوه الحرف بسبب الحبر الزائد، إضافة لأدوات أخرى بسيطة مثل القلم الرصاص والمسطرة وقلم الترتيش (وهو عبارة عن سكين /مشرط على هيئة قلم يستخدم لإزالة الحبر الزائد من جوانب الحروف وتسمى عملية الترتيش).
وهذه الأدوات كانت سابقاً وخاصة في بلادنا لا تتوفر إلا أشياء بسيطة مثل أقلام الخط العربي البلاستيكية الجاهزة المتوفرة في المكتبات، وعيبها أن ريشة القلم تخرب سريعا عكس الأقلام المعدنية وإن وجدت أقلام معدنية لا يوجد أحد يقوم بقصها بالشكل المطلوب سوى بعض الخطاطين القليلين الذين لهم خبرة في هذا المجال، وفي الفترة الأخيرة بدأ بعض الخطاطين بتوفير أدوات الكتابة بأنواعها لعشاق هذه الفن في اليمن.
لوحاتك التي تنتجها؟ هل نشرت من قبل؟ معرض شخصي/جماعي، على شبكة الإنترنت؟
– عندي هوس في النشر وهذه الحالة عند الأغلبية، وأي عبارة ننتهي من كتابتها نقوم بتصويرها ومن ثم ننشر، لذلك أغلب كتاباتي أنشرها في صفحاتي على مواقع التواصل، ومعرضي الشخصي هي صفحاتي على الفيسبوك والانستجرام وتمثل معرضاً مفتوحاً ولا أنشر فيها سوى الأعمال الفنية الخاصة بالخط أو الرسم.
لابد أن لديك حصيلة مناسبة وكافية لإقامة معرض جماهيري؟ هل تخطط أو خططت لذلك؟ وإلى أين وصلت؟
– بصراحة، عدم وجود البيئة المناسبة وتوفر الإمكانيات المشجعة لإقامة معرض هو سبب عدم إنتاجي للعديد من اللوحات وأغلب ما أكتب، عبارة عن قصاصات وتمارين أقوم بوضعها في كومة الأوراق المتراكمة في زاوية المكان ولكن متى ما توفرت البيئة المناسبة سأقوم بذلك.
بداياتك الإبداعية كانت مع الخط أم الرسم؟ وأين تجد نفسك أكثر؟
– البداية مع الرسم، وفي كليهما أجدني، لكني لست عادلاً بينهماً، فالخط أخذ جُل وقتي ولم يترك للرسم إلا الشيء اليسير، وعندما أرسم أشعر بارتياح شديد وانسجام تام مع اللوحة أراقص أوتار الريشة وأتحكم بها حيث أشاء بحرية مطلقة لذلك لا أمِل من عملي خلال إنتاج اللوحة أما الخط فأشعر مع الكتابة أني مقيد بقواعد رسمية وأسساً ثابتة أمشي عليها ولا أستطيع الخروج منها أو عليها، وبالرغم من هذه الحواجز إلا أن شغف الكتابة تحول إلى إدمان وروتيناً شبه يومي.
كواليس
الخط أكثر الفنون استخداما في حياتنا اليومية، لكننا لم نعد نراه إلا على جدران المساجد وصفحات المصاحف بعد أن كان يحوطنا في مناهج التربية والإعلام على اختلاف وسائله خاصة الصحافة واللوحات الإعلانية.. أنت كأحد مبدعي هذا الفن برأيك هذا التراجع المريع إلى ما يعود في الأساس؟
– الثورة الإلكترونية هي سبب هذا التراجع واستخدام الكمبيوتر في هذا المجال كاختصار للوقت والجهد هو من جعل الخط العربي يُهمل ويتجه نحو هاوية الاندثار ومهما كان نوع خط الكمبيوتر لا يقارن بخط الإنسان لما فيه من إبداع وروحانية وجمال وضوابط، لأن الخطوط العربية المدخلة في الحاسوب لا تنضبط عليها قواعد الخط العربي الرسمية.
غالبية ممن يمارسون العمل الدعائي هم أساسا من مبدعي الخط العربي، لكن ما يؤسف له، أنهم نادرا جدا ما يستغلون موهبتهم في هذا المجال ماهي وجهة نظرك أنت؟
– صحيح أن أغلبهم مبدعون ومن محبي هذا الفن، ولكن المشكلة أن الأغلبية في البداية يتعرف على الخط ويميز بين أنواعه ويتعلم بعض أنواع الخط ولكنه تعليم سطحي، حتى إذا رأى أن خطه أصبح جميلا أكتفى بهذا المستوى وتفرغ للعمل الدعائي، واستمر بمكافحة متاعب الحياة وطلب الرزق وأحياناً إذا حاول أن يطور من مستواه يطور بتصرف ذاتي أو يحاكي أشخاص لا زالوا في مستواه، ولكن تختلف اللمسات بينهم بتصرفات وتشكيلات حرة صادرة من الخطاط نفسه.
ونادراً ما تجد من يعمل في العمل الدعائي ويتعلم الخط بطريقة منهجية حسب أصوله وقواعد، لأن الخط يتطلب الوقت والجهد والاستمرار بالمشق والبحث عن المعلومات والمصادر، لذلك تجد الكثير من الخطاطين لا يعملون في المجال الدعائي فقط متفرغين للخط العربي وعلومه.
* الخط الآلي “إنجاز التقنية الكسيح” إلى أي مدى برأيك أثر على تطور وانتشار فن الخط العربي؟
– الخط الآلي أثر تأثيراً كبيراً على فن الخط العربي وهو حسب رأيي المسؤول الأول عن تراجع عجلة هذا الفن للوراء، وأيضاً جهل بعض فئات المجتمع وانعدام الذائقة الفنية لدى الكثير وعدم المعرفة بأهمية الخط العربي والحفاظ عليه، كونه جزء مهم من حضارة هذه الأمة.
ماذا عن كيان ثقافي يجمع مبدعي هذا الفن في إطار واحد كنقابة مثلاً؟
– النقابة موجودة ويرأسها خطاط من أفضل الخطاطين في الوطن العربي والأفضل على مستوى اليمن الأستاذ ناصر النصاري، لكن ليس لدي معلومات عن هذه النقابة وعن أعمالها ولماذا لا تقوم بدورها تجاه هذا الفن، ربما الظروف التي تمر بها البلد والتهميش من قبل الجهات الحكومية وعدم الدعم هو سبب الركود الذي تعيشه النقابة.
إلى أي مدى يعد صائبا قولنا، أن الخط العربي هو الإبداع اليتيم في بلادنا؟ وعلى من تقع مسؤولية تهميشه؟ الجهات المختصة؟ أم على الفنانين أنفسهم؟
– الخط العربي سيد الفنون ولن نسمح له بأن يكون يتيما، وهو مسانداً للكثير من الفنون الأخرى وله استخدامات كثيرة في مجالات أخرى، صحيح أنه كان سابقاً شبه منعدم في بلادنا أو منعدماً في الفترات السابقة بعكس بعض البلدان العربية الذي كان فيها مزدهراً وعاش أفضل عصوره.
أما الآن، فهناك صحوة خط وجيل من الخطاطين اليمنيين ينافسون غيرهم ويسيطرون على المراكز الأولى في بعض المسابقات الدولية في الوقت الراهن بفضل بعض الأساتذة اليمنيين على رأسهم الأستاذ زكي الهاشمي الذين بذلوا جهداً كبيراً لإنعاش هذه الثورة ومساندة الخطاطين اليمنيين وإظهارهم للواجهة أسوة بغيرهم.
والسبب الأول في التهميش – من وجهة نظري – يأتي من قبل الخطاطين أنفسهم لعدم بث روح هذا الفن في المجتمع والتعريف بقيمته، لأن أغلبية فئات المجتمع تعشق هذا الفن وتحترمه، والثاني يأتي من قبل الجهات الحكومية لعدم دعم الخطاطين وتشجيعهم حتى ولو بإقامة الفعاليات والمعارض والمسابقات، فأغلبية الخطاطين لا يستطيع أن يتفرغ للخط بسبب ظروف الحياة ومشقاتها والكفاح في طلب الرزق رغم حبهم الشديد لهذا الفن.
ولو طلب منك أن تعدد لنا أبرز المعوقات التي يجابهها الخطاط في اليمن ما ستكون؟ وماذا عنك أنت؟
– أبرز المعوقات التي يواجهها الخطاط اليمني، عدم توفر أدوات الخط اللازمة (لكن الآن بدأت تتوفر شيئا ما) وعدم توفر الأساتذة سوى القليلون المحصورين في بعض المناطق، كذلك عدم وجود مراكز مختصة بالخط العربي وإقامة الدورات للطلاب مثل مركز الورد في صنعاء للأستاذ خالد الورد، إضافة لعدم وجود الوقت الكافي للبعض وعدم الصبر في الاستمرار بمسيرة هذا الفن.
وأنا شخصياً عانيت من عدم وجود أستاذ، لأن وجود الأستاذ يختصر شوطاً كبيراً من الوقت وادخار المعلومات في مسيرة الطالب، التعليم عبر النت أو من المصادر المفتوحة يستغرق وقتاً طويلاً ولا يأتي بالأسرار كما يأتي بها أستاذ الواقع.
ما العراقيل التي اصطدمت بها؟ وكيف تخطيتها؟
– مادياً، عدم وجود الوقت الكافي، ومعنوياً.. الإحباط أكبر مشكلة عانيت منها، لعدم اتقاني الخط بشكل سريع، فكنت كلما أشعر بأني قطعت شوطاً في الخط اكتشف أني مازلت بعيداً وأن الطريق مازال أمامي طويلاً حتى أفكر بتركه وهذا خطأ، فالخط لا يحب الاستعجال ولن يأتي بالإتقان دفعةً واحدة، لذلك لابد من عزيمة وإصرار واجتهاد حتى يتحسن المستوى تدريجيا مع مرور الوقت مع الاستمرار بممارسة المشق اليومي والتشبع بالمعلومات والتغذية البصرية بشكل دائم حتى تترسخ حركة الحرف وجزئياته في الذاكرة ويصعب نسيانها.
أيضا، هناك نقطة مهمة في مسيرة الخطاط وخاصه المبتدئ وهي الخوف من صناعة اللوحة وخاصة إذا كانت ضمن مسابقة، فلابد من كسر حاجز الخوف والتعود على دخول مثل هذه المنافسات وإلا سيظل داخل هذه القوقعة لا يستطيع الخروج منها، ولا ننسى الكسل فهو عدوٌ لدود للخطاط ولا بد من محاربته والتغلب عليه.