جذور الأزمة الدبلوماسية التي تسبب بها قرداحي بين السعودية ولبنان!
1 min read
محمد غبسي
تطورت ردة الفعل السعودية إلى سحب سفيرها من لبنات ومنح سفير لبنان لديها 48 ساعة لمغادرة أراضيها وإيقاف كل الواردات اللبنانية إلى المملكة، على إثر تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي التي قال فيها بأن “اليمن يتعرض لعدوان وأن جماعة الحوثي تدافع عن نفسها، واعتقاده بأن الحرب التي يشنها التحالف ضد الحوثيين حرب عبثية”.
تصريحات قرداحي لاقت استهجانا من قبل السلطات السعودية والإماراتية والكويتية والبحرينية والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، ما دفع رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي إلى رفض تلك التصريحات والتأكيد على أنها لا تعبر عن موقف حكومته التي قال بأنها ملتزمة باحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، غير أن الأزمة تتصاعد باتجاه عزل لبنان عن دول الخليج وربما عن دول عربية أخرى.
ثمة جذور للمشكلة التي ظهرت مؤخراً، وهناك محطات لهذا الخلاف بين الإعلامي اللبناني جورج قرداحي والسلطات السعودية تعود إلى بداية الربيع العربي، سبتمبر 2011 تحديداً، عندما قررت مجموعة الإم بي سي السعودية إلغاء العقد معه على خلفية آراء سياسية أدلى بها آنذاك عبر فيها عن تضامنه مع الشعب السوري، وهو الأمر الذي أثار حفيظة صناع الرأي والقرار في المملكة التي اعتبرت موقفه داعم لنظام بشار الأسد.
علاقة قرداحي بمجموعة الإم بسي وأسباب خلافه معها بقيت شبه غامضة ليظل الصحفيين والإعلاميين يطرحون الأسئلة حولها من وقت لآخر، خاصة وأن قرداحي كان حقق نجاح وشهرة كبيرة في الوطن العربي أثناء عمله مع مجموعة الإم بي سي التي امتدت لأكثر من 14 عام وخاصة من خلال البرنامج الشهير “من سيربح المليون” الذي بثت أول حلقاته في 27 نوفمبر عام 2000، وبثت الإم بي سي آخر حلقاته في الـ 3 من ديسمبر عام 2010.
في يوليو 2014 أكد قرداحي أثناء استضافته في برنامج “ولا تحلم”، بأن ما تعرض له في الإم بي سي “جرح لا يندمل”، ولفت إلى إلى أن قرار إلغاء العقد معه فرض على رئيس المجموعة من قبل جهة أخرى “في إشارة منه إلى السلطات السعودية”، وقال بأنه يتوقع من إدارة المجموعة تضامن أكبر وهو ما لم يحدث.
وأشار قرداحي في نفس البرنامج الذي بثته قناة الحياة المصرية إلى أنه وبعد تضامنه مع الشعب السوري تعرض لحملة تحريض كبيرة وممنهجة نشرت في كبريات الصحف السعودية التي وصفته بـ “النصراني”، في إشارة إلى عقيدته الدينية.
وعبر برنامج “معكم منى الشاذلي” الذي يعرض على قناة سي بي سي اكسترا المصرية، جدد قرداحي تعبيره عن الألم الذي لحق به من الإم بي سي في مارس 2020، حيث قال “تعرضت لأكبر حالة ظلم في حياتي من قبل الإم بي سي بسبب مواقفي السياسية من الربيع العربي ومن سوريا والمقاومة في لبنان”، لافتاً إلى أنه لمس منهم في السنوات الأخيرة اعترافات بأنه كان على حق في مواقفه، غير أنه رد عليهم بقوله “لكنكم آذيتوني فعلاً”.
وقال قرداحي بأنه لم يكن يتوقع أن تنتهي علاقة بالمجموعة بتلك الطريقة لأنه قدم لها خدمات كبيرة أهمها تأسيس وتطوبر إذاعة إم بي سي إف إم وتحقيق عائدات من الإعلانات التجارية خاصة في برنامج من سيربح المليون الذي قدمه خلال عشر سنوات، وكشف دور حاسم قام به أفضى إلى نقل مقر المجموعة من لندن إلى دبي بدعوة من حاكمها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وهو الأمر الذي وفر أموال ونفقات كثيرة كانت تتكبدها المجموعة خلال عمها في لندن.
وبالعودة للأزمة الدبلوماسية الحالية بين لبنان والمملكة العربية السعودية فقد تطورت على إثر تصريحات جورج قرداحي التي وردت ضمن برنامج “برلمان شعب” الذي أجرته وبثته قناة الجزيرة مباشر يوم الثلاثاء 26 اكتوبر الحالي والتي قال فيها “الحوثيين يدافعون عن أنفسهم ولا يعتدون على أحد، وفي اعتقادي الحرب اليمنية عبثية ويجب أن تتوقف”، ورد على تدخل مذيعي القناة حين أشاروا إلى أن الحوثيين يهاجمون المملكة السعودية بالطائرات المسيرة رد بقوله “نحن نرى أيضاً أن اليمنيين يقتلون في منازلهم وقراهم وساحاتهم وجنازاتهم وأفراحهم”، مؤكداً بأن اليمن تتعرض لعدوان خارجي.
موقف قرداحي أثار موجة من الانتقادات على نطاق واسع من قبل إعلاميي المملكة وبعض اليمنيين لتخرج خارجية المملكة السعودية ببيان أعربت فيه عن أسفها لما تضمنته تصريحات قرداحي ووصفتها بـ “المسيئة”، وأكدت في البيات الذي أصدرته الأربعاء بأنها استدعت سفير لينان في الرياض وقدمت له مذكرة احتاج رسمية، وهو الموقف الذي تبنته كل من الإمارات والكويت والبحرين التي استنكرت في بياناتها تلك التصريحات واعتبرتها تحيزا لجماعة الحوثي”.
الأزمة التي تشكلت خلال ساعات قليلة شكلت ضغطاً كبيرا على حكومة ميقاتي ليعبر أمس الأربعاء عن رفضه لتصريحات قرداحي، وأكد حرص لبنان الحفاظ على علاقات طيبة مع دول الخليج، وأضاف بأن رئيس الجمهورية ميشال عون طلب منه التأكيد على “أن موقف وزير الإعلام، جورج قرداحي، حول حرب اليمن، نابع عن رأي شخصي قبل تشكيل الحكومة”، وهو ما أكد عليه بيان الخارجية اللبنانية.
وفي أول تعليق له، جدد وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي موقفه الشخصي ووجهة نظرة تجاه حرب اليمن التي وصفها بـ “العبثية”، ولفت في تغريدة له على موقع تويتر إلى أنه عبر عن ذلك في المقابلة التي أجرتها معه قناة الجزيرة مباشر ضمن برنامج “برلمان شعب” بتاريخ 5 اغسطس الماضي، “أي قبل شهر من تعيينه في حكومة ميقاتي”.
وقال قرداحي “لا يجوز أن نظل في لبنان عرضة للابتزاز من أي أحد لا من دول ولا من سفراء ولا من أفراد”، متسائلا “ألسنا دولة ذات سيادة؟ لماذا لا يحصل هذا إلا في لبنان؟”، وذلك في إشارة منه إلى المطالبات بإقالته من الحكومة.
وبالرغم من تمسكه برأيه الشخصي الذي تسبب بالأزمة الدبلوماسية إلا أنه أوضح بقوله “لم أقصد الإساءة بأي شكل من الأشكال للمملكة العربية السعودية أو الامارات اللتين أكنّ لقيادتيهما ولشعبيهما كل الحب والوفاء”، متمنيا بأن تصبح الضجة التي أثيرت حول كلامه سبباً بإيقاف الحرب على اليمن التي وصفها بـ “المؤذية” لليمن وللسعودية وللإمارات.
