وجدي الأهدل*
نقع ضمن إقليم جغرافي واضح المعالم منذ قديم الدهر يسمى “شبه الجزيرة العربية”، وعدد الدول في هذا الإقليم سبع، كلها ناجحة باستثناء دولة واحدة فاشلة، هي بلادنا مع الأسف.
تشبه اليمن طالبًا غبيًّا في فصل ممتلئ عن آخره بالعباقرة.. المدرسة تفخر بهذا الفصل الذي يحصد أعلى الدرجات على مستوى جميع المدارس، ويتسابق المعلمون لتدريس هؤلاء الطلاب المتفوقين، وأما الشيء الذي ينغص عيشة هيئة التدريس ويسبب تورم خصيتيّ المدير فهو حمار الفصل “اليمن”، الذي يبدو الطالب الوحيد العاجز عن التعلم، وعن فهم أيّ درس من الدروس.
تساؤل منطقي: لماذا نهضت جميع الدول في إقليمنا الجغرافي، وعددها ست، وكانت الخيبة من نصيب دولة واحدة هي اليمن؟؟ إذا كان سبب نجاح الدول المشتركة معنا في إقليم واحد هو البترول والغاز، فاليمن أيضًا لديها ثروة من البترول والغاز، بل اليمن لديها مصادر متنوعة للثروة لا تحلم بها دول الخليج.
في أبسط تقدير يفترض أن يكون الناتج المحلي لليمن أعلى من الناتج المحلي لدول الخليج الست مجتمعة.
يعرف العالم، ويعرف اليمنيون أكثر من غيرهم، المقادير الضخمة من الثروة غير المستغلة التي يمتلكونها فوق الأرض وتحت الأرض وفي البحار.
ومع ذلك، هناك أكثر من ثلاثين مليون يمني يعانون من الفقر، وثلثهم على الأقل يعيشون على المعونات التي تقدمها لهم المنظمات الدولية.
ثلاثون مليون أحمق، ينامون على جبل من الثروات، ويمدون أيديهم لتسول رواتبهم ومناصبهم وطعامهم من الجيران، ثم يشكرونهم ويدعون لهم بطول العمر!
الشعب اليمني يشبه العجوز الحمقاء التي كان ولدها الوحيد يعمل أجيرًا باليومية عند جيران أغنياء، فكانت تدعو الله أن يرزق جيرانها الأغنياء رزقًا وفيرًا، لكي يحصل ابنها على عمل يومي لديهم! ذهبت بركة دعاء الوالدة للجيران فظل ابنها المسكين يعمل حتى مماته شاقيًا بالأجرة اليومية عند أولئك الجيران الأغنياء الذين تضاعفت ثرواتهم، وظل ابنها معدمًا فقيرًا.
لقد ساهم اليمنيون في بناء نهضة دول الخليج، السعودية خصوصًا، ولكنهم عجزوا عن بناء وتعمير بلادهم والنهوض بها.. ربما لأن خلفهم حكومات تفكر على طريقة تفكير تلك العجوز المغفلة.
هناك خلل جسيم في الشخصية اليمنية ويجب أن يُعالج.. الشيء الموكد أن شخصية الإنسان السعودي والكويتي والبحريني والقطري والإماراتي والعماني معتدلة، وفيها ميزات إيجابية مفقودة مع الأسف في شخصية الإنسان اليمني.
الخوض في هذا الحديث مؤلم، لأن المصارحة والمكاشفة ليست من عاداتنا نحن اليمنيين، ولعل هذا أحد أسباب فشلنا في بناء دولة حقيقية.
يقول المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي: “لا توجد دولة فقيرة، ولكن توجد إدارة سيئة”.
وهنا نضع أيدينا على أول عيب في الشخصية اليمنية: اليمني فوضوي، يكره النظام، يكره الترتيب، يكره التخطيط البعيد المدى، يفكر في يومه فقط، لا يُصلح ولكنه يُرقع، لا تعجبه الطرق المستقيمة، ويحب الالتفاف على القوانين والضوابط والتحايل على أية عقبة تصادفه.
عندما يكون معك حوالي ألف مسؤول من هذا النوع الفوضوي، هم الذين يديرون البلد، فإن النتيجة الحتمية هي سياسة غير متزنة تفتقر للعقلانية، واقتصاد يعاني بشكل مزمن من الإفلاس، ومجتمع أعمى يتخبط في طريقه لا يعرف إلى أين يتجه.
الغريب أن اليمني الذي يتسم سلوكه بالفوضوية في بلده، يتحول إلى نموذج يُضرب به المثل في الانضباط والطاعة عندما يضع قدمه خارج الحدود! الأسوأ أن هذا اليمني نفسه الذي التزم بالنظام والقوانين في الخارج، ينقلب عندما يعود إلى بلده فوضويًّا كما كان في سابق عهده، وكأنه لم يتعلم شيئًا!
الخليجي يميل إلى النظام والانضباط، الترتيب وعدم العشوائية، وهكذا تمكنوا من تكوين جهاز إداري فعال لإدارة الدولة.
قال المفكر والصحافي المصري محمد حسنين هيكل في توصيف حكيم وموجز للشعب اليمني: “اليمن قبيلة تريد التحول إلى دولة”.
مصري يحول منزله إلى مكتبة للأطفال الشغوفين بالقراءة
وهذا العيب الثاني في الشخصية اليمنية: اليمني مسجون داخل ولاءات صغيرة، ولاءات قبلية وقروية ومناطقية ومذهبية وسلالية وطائفية، ولم يرتقِ بعد إلى مستوى الولاء للوطن الأعظم، وهذا ما يمنع أن يتحول اليمنيون من أشتات وشراذم إلى أمة واحدة متحدة.
لأن اليمني يُغَلِّب انتماءه الأصغر على الانتماء الأكبر، كان حتمًا أن تضمحل الرابطة الوطنية التي هي الأصل، وتحل بدلًا عنها روابط ثانوية، مجزأة، تقود بالتدريج إلى تفكك جسم الوطن، وتنافر وتباغض أبناء الوطن الواحد.
قد يرتدي اليمني البدلة الإفرنجية والكرافتة، ويلف قدميه بجوربين يفوق ثمنهما الثلاثمئة دولار، ولكنه في أعماقه ما يزال غير مدني، غير متحضر، سلوكه سلوك قاطع طريق، ولم يفهم بعد أن معنى الدولة هو تأمين الطريق.
فكرة الوطن بالنسبة لليمني موجودة في الأغاني فقط، الموجود في دماغه حقًّا شيء أصغر بكثير من فكرة الوطن، وهذا “الصغار” يعكس نفسه على أرض الواقع بجلاء، ولا يحتاج إلى مزيد توضيح.
الخليجيون قبائل شتى، ولا توجد دولة خليجية إلا وهي في الأصل مكونة من تجمع قبائل، ولكنهم نجحوا بشكل مثير للإعجاب في التحول من مجتمعات قبلية متخلفة إلى دول مزدهرة تنعم بالرفاه والتطور، وأن يحصل كل مواطن على حياة سعيدة رغيدة.
اليمني يكره بعضًا من أبناء وطنه، يكرههم حتى العظم، يتمنى من صميم قلبه لو يستأصلهم نهائيًّا.. ولكل يمني حجة دامغة يبرر بها هذه الكراهية التي ترشح من مسامات جلده.. لا يمكن أبدًا أن تبني بلدًا وقلوب أبنائه مرعى للبغضاء والضغينة على بعضهم البعض.
قلوب الخليجيين لا تحمل هذه الكميات السامة من البغضاء، وإلا لكانوا مثلنا في عداد الدول الفاشلة.
مضطر لحذف الكثير مما أريد أن أقوله، لكيلا أحصد المزيد من الكراهية من أبناء بلدي، ولعل أفضل حل لمشكلتنا العويصة هو أن نبحث عن العجوز التي ذكرتها آنفًا، ونقنعها بالدعاء لولدها، وأن تكف عن الدعاء للجيران.
* كاتب و روائي يمني
عن موقع “اليمني الأمريكي”