عن كثب/.. بين حروب المنتجين في الدراما العربية، وأزمة النصوص، دخل الرقيب أخيراً ليصبح طرفاً جديداً في المعادلة، ويقرّر إمكانية السماح بعرض هذا المسلسل أو ذاك، أو التعديل على الأعمال الدرامية. لا ريب في أن الدراما العربية ما زالت تتخبط وسط مصالح القائمين عليها ورؤيتهم لها، وبالتالي يفرض الأمر الواقع على سياسات شركات الإنتاج، أسئلةً لا يمكن الإجابة عنها قبل ساعات من بدء عرض موسم الدراما الأقوى كل عام، والذي تحول إلى مقياس تفاعلي بين المنتج والجمهور، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.
لم تخرج المحسوبيات هذا الموسم أيضاً من حسابات شركات الإنتاج. حالة من الضياع تلقي بظلها على أكثر المشاريع الدرامية المعدّة لتحقق أعلى نسبة مشاهدة، والسبب بالطبع لا يعدو إطار الكيدية التي يتعامل بها هؤلاء مع أصحاب النصوص والقصص الخاصة بالمسلسلات التلفزيونية والمنصّات.
قبل ستة أشهر، أعطت شركة صادق الصباح الضوء الأخضر لفريقها التقني، والمخرج سامر البرقاوي، بالتوجّه إلى سورية، والبدء بتصوير مسلسل “الزند: ذئب العاصي”. تحوّل تيم حسن في السنوات الأخيرة إلى البطل المطلق، وابتعد عن نجمات لبنان اللواتي شاركنه البطولة في أربعة مواسم من مسلسل “الهيبة”، هنّ نادين نسيب نجيم، ونيكول سابا، وسيرين عبد النور وإيميه صياح، وهو اليوم البطل المطلق في مسلسل سوري من إنتاج لبناني. ورغم موافقة الجهات العارضة للمسلسل على كافة الشروط الخاصة، حصل جدل واسع في الأيام الأخيرة، دفعت الجهة المساهمة في الإنتاج (مجموعة MBC) إلى سحب الإعلانات المصورة وإعادة تعديلها. وقيل إن ذلك حصل لتوجه سياسي سعودي طالب بعدم التوجه بأي انتقاد إلى الدولة العثمانية، وفقا لمبدأ التعاون والعلاقات الدبلوماسية بين الرياض وأنقرة. بدورها، حاولت الجهة المنتجة، “سيدرز آرت برودكشن”، التقليل من أهمية المطالبات، لكنها امتثلت أخيراً للمطلب السعودي، وحذفت “شاهد” ما يمكن أن يمثّل نقداً للدولة العثمانية.
في المقابل، فإنّ بعض المسلسلات التي أنتجتها مجموعة MBC، لم تخضع للرقيب، ومنها مسلسل “سفربرلك”، للمخرج الراحل حاتم علي، أكمله المخرج الليث حجو، وهذا ما يضع المتابع أمام تناقضات حول محتوى بعض المشاريع الدرامية الخاصة، وبين المنتج والجهة الممّولة.
لم تنجُ الدراما السورية من أدوات القمع السياسي على مر السنوات. على الرغم من صمت المدافع في دمشق، ثمة جهات تستعيد عملها في كل مرة، لتهدم ما يمكن لمنتج عربي القيام به من أجل الدراما السورية. الواضح أن مسلسل “دوار شمالي”، من إخراج عامر فهد، قد عانى الأمرين من قبل شركات إنتاج سورية لم ترض بنقل الواقع السوري المعيش إلى الدراما، ولو بتصرف، وأقحمت مقص الرقيب في العمل. ووصل الأمر إلى منع عرض المسلسل على القنوات السورية، في حين يحاول المنتج الأردني إياد الخزوز (I See Media) الترفع عن المكائد والقول إنه منافس يحق له القيام بعمل يستحق العرض، وهو حاصل على أذونات من فضائية أبوظبي التي ستعرض العمل حصرياً، وكذلك على تصريحات من قبل الأمن العام في لبنان، كون المسلسل صور كاملاً في بيروت، بعدما تعذر الحصول على التصاريح في دمشق.
هذه المحاولة من قبل شركات الإنتاج السورية لإقفال الباب في وجه أي مسلسل، أصبحت مكشوفة، خصوصاً أن الحروب بين الشركات داخل دمشق على أشدها، وتدخل في إطار الفساد المخابراتي، والتنافس على من هو الأقوى للخروج بأعمال درامية تستحق النجاح والثناء عند كل موسم.
هذه الصورة لا تقلل من أهمية طرح إشكالية أخرى تعيق تقدم الأعمال الدرامية العربية، تتمثل في وضع المنتج يده على القصة والتصرف بها بحسب أهوائه ومصالحه. لا يمكن أن نفصّل هنا استيلاء شركات إنتاج الدراما المشتركة على أوراق بعض الكتّاب السوريين، والقيام بعملية مصادرة لأحداث القصة بما يتناسب مع مصلحتها بالدرجة الأولى.
عانت مجموعة من الكتاب السوريين من تخبّط داخل شركة “سيدرز آرت برودكشن”، وانسحب بعضهم من أعمال اشترتها الشركة، واعتمدت على إنتاجها وفق رؤيتها، من دون السماح للكاتب بالاعتراض، ما دفع بالكاتب السوري رامي كوسا إلى الطلب من الشركة وضع “قصة رامي كوسا”، على شارة مسلسل “النار بالنار” للمخرج محمد عبد العزيز، الذي عدل السيناريو بما يتلاءم مع مصالح الشركة ورؤيته.
في مصر، تحضر مجموعة من الأعمال التي بإمكانها أن تشكل نقلة نوعية في حال كان الاتجاه والتنفيذ يصب في خانة الاختلاف، أو المنافسة مع العروض المواجهة، كعودة ياسمين عبد العزيز وزوجها أحمد العوضي في مسلسل “ضرب نار” لناصر عبد الرحمن، وإخراج مصطفى فكري.
لكن، من دون شك، تشكل عودة منى زكي في “تحت الوصاية” انطلاقة لموسم مصري واعد، أمام جدل واسع طرحه ملصق العمل. في حالة منى زكي، يرى كثيرون ممن استوقفهم وأغضبهم الإعلان، أنه يحاول حصر صورة المرأة المحجبة في قالب محدد وأسلوب سردي ينتقص من قدراتها، ويظهرها امرأة ضعيفة مسلوبة الإرادة.
بدوره، يعود المخرج خالد يوسف بمسلسل “سره الباتع”، وذلك بعد أزمة الفيديوهات عام 2019، التي أدت إلى هروبه خارج مصر. وبدا لافتاً أيضاً، عودة الدراما الدينية لأول مرة بعد غياب لسنوات، عبر مسلسل “الإمام الشافعي” للممثل خالد النبوي.
عن “العربي الجديد”