يعيد بعض المؤرخين ظهور الطرب والغناء والإيقاع إلى بداية وجود الإنسان على هذه البسيطة، ويرى بعضهم أنه تحقق في عهد “عاد” (ناجي، 1983)، أما في الجزيرة العربية فيعيد أصلَه المؤرخُ المسعودي إلى الحُداءِ ويقول: “إن الحُداءَ أصل الغناء” وإن الإبل وهي مجهدة في أسفارها الطويلة كانت تحتاج إلى ما يبعث فيها النشاط، وينسيها ما هي فيه من ألم الجوع والظمإ وحمل الأثقال، فكان الحُداءُ من خير الوسائل لإنعاشها (الحفني، ص 15)، لكن أبا هلال العسكري يرى أن الذي أخرج الغناء العربي هي (جرادة) قينة عبدالله بن جدعان، ويقال إنهما قينتان أو جرادتان من بني عاد المشهورتان، ويرى القلقشندي أن الغناء في الجزيرة العربية أقدم من عهد (جرادة) وأن الغناء معهود من عهد عاد (ناجي، ص 16).
اشتهرت اليمن بالغناء عبر تاريخها الطويل، ويذكر المسعودي أن اليمن عرف نوعين من الغناء: الحميري، والحنفي لكنهم، أي اليمنيين، كانوا يفضلون الحنفي، وكانوا يسمون الصوت الحسن (بالجدن)، وأخذ هذا الاسم من (علي بن زيد ذي جدن)، أحد ملوك حمير الذي يرجع إليه غناء أهل اليمن، وقد لُقب (ذي جدن) لجمال صوته ، ويذكر الدكتور محمد باسلامة أن تاريخ الغناء في اليمن يعود إلى أيام الحضارة السبئية والمعينية إذ شهدت هذه الحضارات استخداماً واسعاً للآلات الموسيقية التي وجدت صورها على شواهد القبور المنحوتة في حجر من الرخام والجير، وكانت النساء هن اللائي يعزفن على تلك الآلات (أنظر: باسلامة، 2004)، وقد اشتهر المغنون اليمنيون في عصور مختلفة، ففي نهاية العصر الأموي وبداية العصر العباسي اشتهر منهم (ابن طنبور) الذي عُرف بالغناء الخفيف المسمى (الهزج)، ووصفه المؤرخون أنه كان أهزج الناس وأخفهم غناءً (ناجي، ص 89)، وذكر الأصبهاني في كتابه الأغاني من الأصوات ثلاثة: العربية، واليمنية، والرومية، ويذكر مثلاً أن إبراهيم الموصلي قد غنى على الصوت لحناً يمنياً (غانم والقاسمي، 1993، ص 166). وظل السجل الطربي في اليمن فارغاً حتى نهاية دولة بني نجاح في زبيد، إذ تشير المصادر إلى بعض الأسماء اليمنية في عالم الغناء، ثم تختفي وتظهر من جديد على أيام الإمام شرف الدين وابنه المظفر، فنسمع عن مغني قدير يعزف ويغني في قصر الحاكم التركي بصنعاء، ويرجع الفضل في إشهار ذلك المطرب والحديث عنه إلى (عيسى بن لطف الله) حفيد الإمام شرف الدين ، وليس أدل على منع وتحريم الغناء في ذلك الوقت (أنجع) من عدم ذكر اسم ذلك المغني في الكتب التي تحدثت عن فنه.
الاغنية اليمنية الحديثة
يؤرخ كتاب الفن لظهور الأغنية الحديثة في المحافظات الشمالية من اليمن بظهور الشيخ (سعد عبدالله ) الذي كان يحفظ ثلاثة آلاف مقطوعة شعرية غنائية، أطرب بغنائه الناس والعصافير، وقتل في مدينة متنة سنة 1919م عندما حاصر الإمام يحيى صنعاء لطرد الأتراك، أما في المحافظات الجنوبية من اليمن، فقد ظهرت كوكبة من الفنانين إبان الاحتلال البريطاني لعدن، وكان الطرب والغناء مشاعين بين فناني اليمن عموماً، وقد ذكر الأستاذ محمد مرشد ناجي أن الغناء اللحجي قبل “أحمد فضل القمندان” كان متأثراً بالغناء الصنعاني، وكان مغنو لحج يغنون الأغاني الصنعانية، إذ طوَّر المطرب (هادي سبيت النوبي) عزفه على العود باستفادته من فنان شمالي لم يذكر اسمه، ويعيد ظهور أول لحن لحجي إلى الشاعر والملحن والمغني (فضل ماطر) الذي ابتكر أول لحن على الإيقاع اللحجي، وقد دل على أن هادي سبيت كان يغني اللون الصنعاني قصيدة القمندان التي في بعض أبياتها:
غن يا هادي نشيد أهل الوطن غن صوت الدان
ما علينا من غناء صنعاء اليمن غصن من عقيان.
حين كان هادي يغني أغنية صنعانية هي “غصن من عقيان أثمر” (أنظر: المرشدي، ص 107).
تيارات التجديد الغنائي
من المهم أن نشير إلى أن ثمَّة تيارات تجديدية في الغناء اليمني الحديث ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين ،هذه التيارات تتمحور في ثلاثة تيارات هي:
1ـ تيار استلهم تجديداته من الموروث التقليدي.
2ـ تيار استلهم تجديداته من الموروث الشعبي.
3ـ تيار استلهم تجديداته من الغناء المصري.
التيار الأول: ويمثله الشيخ جابر رزق، والفنان محمد مرشد ناجي، والفنان علي بن علي الآنسي، ومن أهم سمات هذا التيار المحافظة على التقاليد الغنائية اليمنية على الأصعدة النغمية والإيقاعية والأدائية (أنظر: أحمد، 2009، ص 38-39).
التيار الثاني: يمثله أحمد فضل القمندان، ومحمد جمعه خان، وأيوب طارش عبسي، ومن أهم سمات هذا التيار الاهتمام بالمادة الغنائية الشعبية، وجعلها ركناً أساسياً من أركان العمليات الإبداعية.
التيار الثالث: يمثله خليل محمد خليل، وأحمد بن أحمد قاسم، ومحمد عبده زيدي، ومن أهم سماته أنه يبز الأغاني العربية المصرية، لأن أصحاب هذا التيار يرون بالأغنية المصرية الأنموذج الأسمى للطرب العربي.
الأغنية الشعبية
الفنون الشعبية بمختلف أشربتها هي أعمال تنبع من الطبقات الشعبية، وتكون معبرة عن هموم وأحزان وأفراح تلك الشعوب، وهي لسان حال الأوساط الفقيرة والناطقة بلسانهم، ويعيد كُتَّاب الأدب الشعبي هذا المسمى إلى كلمة (فولكلور) الذي دعا إليها العالم البريطاني (جون ويليام ثومز) عام 1846م وترجمها مجمع اللغة العربية بالقاهرة إلى (المأثورات الشعبية).
وكلمة (الفولكلور) قد عرفت قبل ذلك التاريخ لدى العلماء الألمان (أنظر: ناجي)، وقد عرف الوطن العربي هذا العلم في ستينيات القرن الماضي بعد الثورات العربية التي جعلت من شعوبها شعوباً فاعلة مشاركة في القرار السياسي العربي ومنها اليمن، وقد عملت أبحاث ودراسات عن الأدب الشعبي بعد هذه الثورات، وكان من أبرز من بحث في الأدب الشعبي في اليمن حينئذٍ هو الأستاذ الدكتور عبد العزيز المقالح الذي أنجز رسالة الدكتوراه ونشرها في كتابه المشهور (شعر العامية في اليمن ) عام 1978م.
والفولكلور فرع من الأدب الشعبي، أو التراث الشعبي الذي يعد جزءاً من المعرفة الإنسانية، ويحدد بعض الباحثين الفولوكلور بالتراث الشفهي (أنظر: الأرياني، 2014، ص 10). ويرى الدكتور المقالح أن نشأة شعر العامية في الأدب العربي تظل مجهولة التاريخ كالقصيدة العربية التي لا سبيل إلى العثور على أصل من أصولها الأولى، لكن هناك ما يشبه الإجماع بين دارسي الأدب الجاهلي على أنه قد كان لكل قبيلة شعراؤها الذين نظموا بلهجاتها قبل أن يبدأ استعمال لغة موحدة ومنزهة بصورة عامة عن كل أثر لهجي (أنظر: المقالح، 1978، ص 89-91)، والحديث عن الشعر العامي هنا يعني حديثنا عن الأغنية الشعبية، لأن الأغنية الشعبية كانت للشعر العامي بمثابة الرئة للجسد، ويعيد الأستاذ مصطفى صادق الرافعي ظهور شعر العامية كلية إلى ظهور الغناء وانتشاره في أواخر القرن الأول للهجرة (المقالح، ص 96)، وقد كان للأغنية الفضل في ظهور القصائد المخفية والمناجاة الخاصة في صدور العشاق وبين المحبين في مختلف العصور والأزمان، بدءا من (علية بنت المهدي) وانتهاءً بأغاني المرأة اليمنية في الريف. يروى أن الرشيد دخل مجلس إبراهيم الموصلي ورأى آثار جلسة ممتعة. فقال: ما هذا يا إبراهيم قال وقد ظهر عليه الإرباك: أصدقك يا أمير المؤمنين لقد بعثت إليَّ (علية) بنت المهدي بجاريتين ظريفتين لأعلمهما بعض الألحان. قال الرشيد علي بهما. فحضرتا، وأمر الرشيد إحداهما أن تغني فغنت:
بنى الحبُ على الجور فلو أنصفَ المعشوقُ فيه لسمج
ليس يَستحسنُ في حكمِ الهوى عاشقٌ يحسنُ تأليف الحجج
وقليل الحبِ صرفاً خالصاً لك خير من كثير قد مزج
فطرب الرشيد طرباً شديداً، وسأل الجارية لمن الشعر ما أحسنه، ولمن اللحن ما أطربه؟ قالت: لستي. قال ومن ستك هذه؟ قالت: علية” أخت أمير المؤمنين، قال: الشعر واللحن؟ قالت نعم، فأطرق برهة وطلب إلى الجارية الأخرى أن تغني فغنت:
ـتحبب فإن الحُبَ داعيةُ الحبِ وكم من بعيد الدار مستوجب القرب
ـتبصَّر فان حدثتَ أن أخا هوى نجا سالماً فارجُ النجاة من الحب
إذا لم يكن في الحُبِ سُخْطٌ ولا رضى فأين حلاوات الرسائل والكتب
فطرب أمير المؤمنين غاية الطرب، وسأل عن الشعر واللحن فقالت الجارية إنهما معاً لعلية أخت أمير المؤمنين. فطلب المزيد من الغناء فغنته جارية:
ـيا موري الزند قد أعيت قوادحه أقبس إذا شئت من قلبي بمقباس
ما أقبحَ الناسِ في عيني وأسمجهم إذا نظرتُ فلم أبصرك في الناس
فاستعاد الرشيد هذا الغناء مراراً، فلما علم أن الشعر واللحن لأخته علية انصرف في ظلمة الليل حتى دخل عليها فذعرت لقدومه في مثل هذا الوقت، واستحلفها بتربة (المهدي) أن تغني، وأعاد عليها ما سمعه وطلب إليها الغناء فغنته، فقال لها: ( ياسيدتي أعندك كل هذا ولا أعلم ؟) (أنظر: الحفني، 147-149)
ومن هذا الضرب الغنائي المحتجب أغاني المرأة اليمنية في الريف، والمدينة، فقد تعددت أغراضه وألوانه منه مثل قولها من أغاني الريف :
ظهر من (الرَّوشان) يمشط (جعوده) لا تنقدوني لا سرحت بعده
يا(شركسي) جعدك حرير بينوس وطبعك الحالي شراب مخموس
أسعد مساك للدُّور والمناظر يا اللي جبينك شمس بعد ماطر
أما أغاني مدينة صنعاء وغيرها من المناطق المجاورة ففيها قولها:
ساجي العيون ياهيل شلَّك السيل كله يهون ولا فراقك الليل
ساجي العيون عندك طرحت جاهي لا ما تقلي مرحبأ وناهي
ساجي العيون مالك هربت مني ما بش معي بندق ولا اقدر أرمي
ساجي العيون ما كنت لي بكلك وأديت لك نفسي وكل ما املك
طلَّعت نهده يالطيف من النار لوهي حجر لا يعمروا بها دار
يا ليت والله وأنت مثل ما أنا ما نفترق لو يخلطوا دمانا
يا ليت والله والجبال توطي أربا حبيبي مسلم أو يهودي
وقالت على لسان رجل:
والله القسم جنب القسم بجربه ما فارق البيضاء هي بنت خلقه (القمادي وشندق، 2013، ص 104-107).
يلاحظ المطلع على هذه الأغاني أنها تتألف من أبيات مفردة، أو مقاطع أو قصائد مبتورة، تتناقلها الأجيال عبر العصور، وفيها ما يعود إلى قرون خلت، وما يعود إلى العصر الحاضر، وفيها ما ينتسب إلى المدينة والريف معاً، وتعكس هذه الأغاني الوجدانية بمناحيها المختلفة حالة المجتمع اليمني قبل ظهور التيارات الدينية المتطرفة، ومشاركة أفراده في الحياة العامة بإيجابية منقطعة النظير(أنظر: المقالح، مقدمة الأصداء الشعبية)، وهذه الأغاني هي خلجات النسوة اللواتي ضربن سهماً في الحب والفراق، وتمثل الموروث الغنائي الشعبي لأكثر من مدينة وقرية، وهي برهان وجداني على فرادة هذا الشعب، وانصهار أبنائه في ثقافة شعبية مشتركة، لم ترَ في مثل هذه الخلجات الإنسانية ما هو محرم ولا معيب. ورغم أن هذه الأغاني تكاد تكون محدودة التداول بين سكان القرى في إطار ضيق إلا أن المرأة قد تصنع صورة شعرية لا يستطيع كبار شعراء الفصيح الإتيان بمثلها من مثل قولها في مهجل علاني تصف حبيبها بالقول:
(مبسمه بارق بعلان لا ضحك ضوَّء المكان).
فمن مثل هذه المهاجل والزوامل والأغاريد تَشَكلَ أساس شعر العامية من ناحية التفاعل واللغة ومن حيث النكهة، وإذا كان الشعر العامي عند المثقفين من (ابن فليته) إلى (عبد الله هاشم الكبسي، وصالح السعيدي) يمت إلى بعض البحور الخليلية والموضوعات الموروثة، فإن من المزارع والشعاب أسخى ينابيع وأهم مبررات وجوده، لأن فن الأرياف جذَّره وخلق بيئته الاجتماعية. ولم يخرج شعراء العامية على الفصيح، إلا لأن فن الريف قد سبقهم بخلق ملكة الإيقاع وحاسة التقبل (أنظر: البردوني، 1998، ص 195).
ومثلَما كان للغناء تيارات مجددة له انطلاقاً من الموروث فإن للشعر الشعبي المغنى مجدديه الذين أخرجوه من الدائرة الريفية الضيقة إلى رحاب الفضاء الغنائي الواسع.
الأغنية الشعبية وتحولها على يد مطهر بن علي الإرياني
كانت أغراض القصيدة الشعبية ( الفولكلور) في اليمن أغراضاً حربية في أغلبهاـ باستثناء (الحمينيات)ـ فقد كانت قصيدة البوادي غالباً تنحاز إلى القبيلة وتحرِّض على العصبية وعلى الانتماء والتعصب للطرف الذي تنتسب إليه، وغالباً ما كانت الأراجيز التي يرددها الجيش توجه من قبل الحاكم ضد شعبه بغية التخويف وفرض الهيمنة، ولم تكن القصائد الشعبية – في معظمه -ـ تُعبِّر عن هموم وتطلعات الشعب وطرح قضاياه، لكن مع ظهور جيل طلائعي توجهت القصيدة الشعبية إلى أغراض إيجابية تساند الشعب وتقف إلى جانب قضاياه، وكان هذا التحول قد مثله الأستاذ مطهر الارياني، فقد استل روح قصيدته الشعبية من الموروث الشعبي اليمني الأصيل، وقد مثلت قصيدة (البالة) امتداداً متجدداً من الفن الشعبي العريق ومثلت قصيدة (فوق الجبل) امتداداً متجدداً من الرزفة الحاشدية، ومثلت قصيدة (يا دايم الخير) امتداداً متطوراً من أشعار (مهاجل علان) في أغلب مناطق اليمن، ومثلت قصيدة (الحب والبن) امتداداً لأغاني الرُّعاة، ومن ثمَّ فقد تجلَّت فرادة الارياني في هذا الإحياء للفن الشعبي، وإخراجه من إبط القبيلة وتحوصله في عرصات القرى، إلى الغايات الثورية الوطنية التي مثلت اليمن من حدود عمان إلى حدود الحجاز، وهناك شعراء آخرون شاركوا الارياني في تحول الفن التقليدي إلى فن ثوري كسعيد الشيباني، وصالح السعيدي، وعبدالله هاشم الكبسي، والفضول، ومحمد سعيد جرادة، غير أن فرادة الارياني تمثلت في استنطاقه للموروث الشعبي، وعجنه بروح العصر لينتج قصيدة مغناة مختلفة عمّا ألفته الذائقة الشعبية، ومن الأمثلة التطويرية للبالة عند الارياني والبالة القروية ما يلي:
يا باله الليل يا باله ويا الليل بال
يا أحمد علي سعد أنا داعيك غزالك مدي
تقول شاني مطنش أو هدي ما هدي
هذه الباله فيها تعريض بالعروسة التي تزوجها زوجها تلك الليلة، لكن بعد أن دخل أخو العروسة إليها واستوضح الأمر اكتشف أن الخلل يكمن بالعريس فخرج للناس في حلقة الباله ورد على نسبه (صهره) قائلاً:
حلفت ما عد ترى مثلي مصاهر قدي
وضَّعتها لــــك ودخلتك إلى المرقدي
تقول: مَنْ العيب منكم؟ نسأل (المينـــــدي)
هكذا كانت مساجلات الباله، لكن الارياني حول أغراضها فقال:
والليلة البال ما للنسمة السارية هبت من الشرق فيها نفحة الكاذية
فيها شذى البن فيها الهمسة الحانية عن ذكريات الصبا في أرضنا الغالية
والليلة العيد وأن من بلادي بعيد ما في فؤادي لطوفان الأسى من مزيد
ذكرت أخي كان تاجر أينما جاء فرش جو عسكر الجن شلوا ما معه من بقش (أنظر: البردوني)
من هنا نكتشف التحول الغرضي للبالتين القروية والثورية، ونجد أن بالة الارياني فذة التصور والتذكر، ثورية التحول والمنحى مختلفة الأغراض، لكنها مستلة من ذلك الكيان الشعبي اليمني الأصيل، لا نستطيع أن نغادرها إلا وقد عدنا إلى موروثنا الشعبي الأصيل. وقد تفنن الملحنون والمغنون في أداء هذا اللون الغنائي البديع. الذي لم تكتفِ بالبلة بل شكلت مع أخواتها (الاريانيات) – مثل فوق الجبل، جينا نحييكم، يادايم الخير، هي نغني للمواسم، خطر غصن القنا، الحب والبن- مدرسةً غنائيةً جديدة تنبع من أصالة الموروث الشعبي اليمني.
نخلص إلى القول إن التحوُّل في الأغنية الشعبية اليمنية يتمحور فيما يلي:
توظيف القصيدة الشعبية التي من سماتها المديح أو الهجاء في استنهاض شعب يصنع التحوُّل.
تحوُّل الوظيفة المجتمعية للقصيدة من طاعة الحاكم والخنوع له إلى هز أركان عرشه ومواجهته.
تحويل دلالة الكلمة من دلالة قمعية سلطوية تشي بالحقد على الشعب في مهايد الجيش وطوابيره العسكرية، إلى دلالة تنموية تشي بمحبته والشعور بخدمة المواطن.
حوَّل مطهر الارياني غرض القصيدة الشعبية من نفير حرب وعصبية إلى داعية سلام وأمن ومحبة.
تحويل وظيفة الجيش من قمعية من أجل الحاكم ، إلى ثورية على الحاكم.