أحيانا يضع النقاد الفخ للكاتب حين يتغنون بأعماله ويتباهون بها في كل محفل، ما يخلق تصورا ضخما لدى القراء الذين لم تصل إليهم تلك النصوص، ومن ثم يتهافتون لاقتنائها، لكنهم يصطدمون بأنها أقل من المستوى الذي رسمته كلمات النقاد الفخمة، هذا النوع من النقاد يجب أن يحاربهم الكاتب وينهاهم عن تناول أعماله، لأن نصوصهم النقدية في الحقيقة تمثل سخرية من النص وكاتبه، فالكاتب الجيد الذين يريد أن يرتقي بفنه لا يجب أن يفرح بهذا النوع من النقد الذي يجعل القارئ يرسم في ذهنه علامة استفهام (؟).
هناك أكاديميون من الريف أو المدينة يحاولون قول أي شيء يمجد أقلامهم، فيتخذون منك هدفا، لأنك ربما تكون مشرقا وكبيرا في أعينهم وأعين الآخرين، لكن كتاباتهم تصغرهم وتصغرك عزيزي الكاتب، لأنك بدلا من تلافي بعض هفواتك، يريدون منك أن تظن نفسك كاملا، ومن ثم تناسب ذائقتهم النقدية الضعيفة، لكن يمكنك أن تكون أكبر من ذلك، فنصك ذو بداية قوية جدا، لكنك ـ لمراجعته ـ دفعت به لأشخاص لا يفقهون شيئا أو لا يحبون أن يكسروا خاطرك بالتنويه إلى المكان الذي يجب أن تعيد كتابته، فالنص فقد خيوطه عند هذا الموضع.
لذا يجب أن تتبع خيوط الحبكة الضائعة، وتعيد صياغة النص كما يجب أن يكون، فأنت حين تجد نفسك محتارا في أي موضع في النص فاعلم إن خيوط نصك ضاعت هناك، وحين تظل تفكر في نهاية مناسبة، فاعلم إن الفصول التي تسبق النهاية يكتنفها الخلل والاقحام، كذلك إن وجدت نفسك تكتب بارهاق جاهدا لدفع النص نحو نهايته، فأنت تكتب أشياء غير ضرورية في نصك، فالرواية هي تناغم تشبه الرقص على أنغام الموسيقى، فالحركات العشوائية تفسدها، لكن الأوغاد من الجمهور قد يجعلوك تظن أنك راقص بارع، لكنهم في الحقيقة يسخرون منك عن مقت أو عرفان.
تستطيع أن تصوب النص بعدم الاستعجال، بوسعك أن تعيد قراءته عشرات المرات، وليس هناك أحد غيرك يستطيع أن يكتشف موضع الفقدان والضياع، أبطالك في النص تاهوا، فلا تجعلهم يتوهوا أكثر، لا تظن أن أي جائزة عربية حصلت عليها أو ستحصل عليها قد تمنحك صفة روائي، فكثير من الجوائز العربية ضعيفة كضعف أنظمتنا السياسية، والدليل على ذلك أنها تجعل الكتاب يلهثون خلفها بينما الجوائز في العالم تختارك دون أن تعلم، وتمنحك الجائزة المالية والكرامة والقيمة كأديب.
أما الجائزة العربية فلا قيمة لها سوى حصولك على قدر من المال، لذا احرص أن يكون نصك ابديا يصلح لكل زمان ومكان، لأن النصوص الطارئة تموت بموت أصحابها أو قبل موتهم، مثلا الهالة التي صنعتها روايات مستغانمي في ثلاثيتها قد تلاشت، وبقيت فقط أصداء منها، في حين أن مسرحيات شكسبير مازالت لامعة وحية، فالنصوص يجب أن تكون إنسانية دافئة، تخوض في كل مسكوت وغير مسكوت، تملك روحا قوية، تكتب عن صدق، وليس لمجرد أن تصدر عملا روائيا وتحمل صفة روائي، ينبغي أن يشغلك موضوع النص أمدا طويلا قبل أن تضعه على الورق، تفكر فيه قبل نومك وحين تسير في الشارع.
الكتابة روح وإحساس، وبوسع الإنسان الذي يتحلى بالصدق والابداع أن يتعلم الكثير، أما المبدع الذي يظن أن النقاد القادمين من الريف يمكنهم أن يصنعوا منه روائيا حقيقيا، فإنه سيظل واقعا في هذا الفخ الخبيث، وحين يكتشف ذلك يكون الأوان قد فات لتطوير قدراته الفنية والكتابية إن وجدت.