عن كثب/صدام الزيدي.. مثلما عاش اليمنيون في يوم 30 أغسطس/ آب 1999 يومًا فارقًا في حياتهم امتلأ بالحزن ومشاعر الوداع المؤسفة عندما شيعوا الشاعر الكبير عبد الله البردوني إلى مثواه الأخير في “مقبرة خزيمة” وسط العاصمة صنعاء، وهو الشاعر والمفكر المتميّز في تاريخ البلاد المؤثثة بالحروب والمناحات على مر العصور، كان يوم 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 يومًا مماثلًا في فاجعته وأحداثه، إذ يؤرخ لرحيل رمز ثقافي وشعري يمني ذائع الصيت عُدّ واحدًا من الكبار في مضمار حداثة الشعر العربي المعاصر، هو الشاعر عبد العزيز المقالح.
ترك رحيل المقالح فراغًا كبيرًا في المشهد الثقافي اليمني والعربي على السواء، وهو الذي أنجز على مدى خمسة عقود من الإبداع والتواصل الثقافي 63 كتابًا في الشعر والأدب والفكر والنقد، كما أنه أكثر مبدع يمني معاصر نال جوائز إبداعية وأوسمة تكريمية.
ومن هنا، يعد عام 2022 عام الحزن بالنسبة للوسط الثقافي المشتت بين الداخل والخارج تتناهبه رياح التشظي وانفلات الأوضاع وتلاشي أحلام المدنية والتغيير والانعتاق.
كما شهد عام 2022 رحيل عدد من الأدباء والفنانين اليمنيين، نذكر منهم: الروائي وليد دماج؛ الشاعر الغنائي عبد الله باكداده؛ الكاتب والعازف مهيب زوى؛ المترجم محمد أحمد الرعدي؛ العازف أحمد الشيبة؛ الشاعر سليم المسجد (نُفذ في حقه الإعدام إثر محاكمته لسنوات في جريمة قتل)؛ الشاعر ياسين الحيدري؛ الفنان التشكيلي، وياسين غالب، أحد المهتمين بحماية المدن التاريخية اليمنية.
وبالتزامن مع هدنة برعاية منظمة الأمم المتحدة تم توقيعها بين أطراف الصراع قبيل منتصف عام 2022 إلا أن الأحوال على الأرض لم تتغير عما كانت عليه في مجمل سنوات الحرب التي باتت على مشارف عامها التاسع وسط موجة من الضياع، وتفاقم الأعباء، وقسوة العيش، وتشرد اليمنيين بين داخل يضيق بهم، ومهجر يزيد من اغترابهم وشتاتهم.
في ديسمبر/ كانون الأول 2022، كشف الروائي اليمني المقيم في فرنسا، علي المقري، وجود أخطاء في ديوانين للشاعر الراحل عبد الله البردوني، كانا صدرا عن الهيئة العامة للكتاب في صنعاء في الآونة الأخيرة، مشككًا في صحة نسب الديوانين إلى البردوني، ومستغربًا ركاكة محتواهما الشعري، ما دفع بالوسط الأدبي اليمني إلى تنفيذ حملة واسعة على فيسبوك تؤيد ما ذهب إليه المقري، وتطالب بالشفافية في قضية تتعلق بشاعر كبير بحجم البردوني.
وفي السياق نفسه، قال علي المقري لـ”ضفة ثالثة” إنه بغضّ النظر عن الأخطاء الكثيرة في الديوانين المطبوعين، وإذا ما كان البردوني قد ذكر قبل وفاته أنه سيصدرهما أم لا، فإن المسألة تتعلق أولًا بمدى صحة نسبهما إليه. وتابع: “إذا أراد القائمون على هيئة الكتاب أن يثبتوا أنهما للبردوني فعليهم أن يتيحوا أولًا المخطوطات الأصلية للقصائد لكل من أراد أن يتأكد من صحة نسبها إلى البردوني، أو على الأقل يتيحونها إلى مجموعة من الأدباء والخبراء الأدبيين ليؤكدوا لنا ذلك، وإنها كُتبت كلها بخط محمد الشاطبي، كاتب البردوني كما يقولون”.
وأفاد المقري بأن هيئة الكتاب في صنعاء في صدد نشر مقالات للبردوني في كتاب اختارت له عنوانًا يخدم توجهًا طائفيًا “بما لا يتوافق مع وجهة نظر البردوني الذي كان ضميرًا ثقافيًا لكل اليمنيين”.
*****
في المجمل، لم يقدم مشهد الثقافة والإبداع في اليمن في عام 2022 جديدًا لافتًا إلا مبادرات فردية في غالبيتها تقود مشهدًا في ذروة عثراته إلى فسحة زهيدة من الضوء والأمل.
هنا آراء سريعة لمثقفين وكتاب يمنيين بشأن المشهد الثقافي اليمني في العام المنصرم:
الناقد والأكاديمي عبد الواسع الحميري:
غياب المشروع الثقافي الجامع
المشهد الثقافي اليمني في عام 2022 هيمنت عليه ثقافة الحرب التي تستهلك وتُهلِك وتبدد الطاقات والقوى. وثقافة الحرب هي ثقافة تجعل حركة الإبداع بشتى أنواعه متموضعة في موقع كل ما يُكتب. لاحظنا بأن معظم ما كُتِب في العام المنصرم إنما كُتِب من موقع مع أو ضد، بمعنى أن الكاتب حين يمسك بالقلم، أو بوسيلة الكتابة، يتوجه بمكتوبه إما ضد أو مع، وهذا في النهاية لا يخدم الثقافة ولا الإبداع. طبعًا، هذا ناجم عن أن المثقف اليمني بات يعاني من الأمرّين، يعاني صعوبة الحياة، قسوة العيش، حاجته إلى أبسط مقومات الحياة، لذلك وجد نفسه مضطرًا لأن يتخلق، لأن يتموضع، لأن يقف في مواجهة هذه الأوضاع، وبدل أن يهتم بخدمة مشروعٍ ثقافيٍ من شأنه أن يسهم في النهوض بالمجتمع، فإنه يغدو في مواجهة الآنيّ والسريع والعابر، لذلك أعتقد بأن غياب المشروع الجامع للدولة، أدى بالضرورة إلى غياب المشروع الثقافي الجامع، الذي يعبر عن الهوية اليمنية الجامعة.
“المثقف اليمني يعاني الأمرّين، يعاني صعوبة الحياة، قسوة العيش، حاجته إلى أبسط مقومات الحياة، لذلك وجد نفسه مضطرًا لأن يتخلق، لأن يتموضع، لأن يقف في مواجهة هذه الأوضاع”
أصبح المثقفون والشعراء والكتّاب، وإن كانوا في جلّهم صامدين وثابتين ومتمسكين بقيم الوطنية الجامعة إلا أن بعضهم يذهب في اتجاهات أخرى نتيجة ظروف الحرب التي فرضت عليه أن يقف مثل هذا الموقف.
لذلك، أعتقد أن المشهد الثقافي الإبداعي اليمني في العام المنصرم لم يقدم شيئًا جديدًا مختلفًا عما كانت عليه الحال في أعوام الحرب السابقة.
الشاعر أحمد السلامي:
عام الفن التشكيلي
يختلف المنظور للحصاد الثقافي من شخص لآخر، لأن الانطباعات مبنية على متابعات لمشهد مقطع الأوصال. أما عن الخسارات فكان أبرز الراحلين في 2022 وليد دماج، والدكتور عبد العزيز المقالح، فيما تتواصل الاشتغالات الفردية والمبادرات الثقافية التي نواكبها على وسائل التواصل الاجتماعي، نتيجة لاستمرار الشتات والأوضاع غير الطبيعية في اليمن.
لفت انتباهي حضور الفن التشكيلي بكثافة خلال العام المنصرم، حيث أقام الفنان حكيم العاقل معرضًا في القاهرة، ونشر مجموعة أعمال تشكيلية مدهشة على الإنترنت، وحضر طلال النجار في المهجر بأعمال تشكيلية جديدة. أما الدكتورة آمنة النصيري فإنها لا تغيب، سواء بلوحاتها التي تنتقيها بعناية، أو كتاباتها النقدية. وعاد الفنان الدكتور صبري الحيقي لتذكير جمهور الفن التشكيلي بتجربته ذات الخصوصية الفريدة.
ومما يمكن رصده انطلاق دورة أولى ناجحة لجائزة السرد اليمني “حزاوي”، وأتوقع أن تسهم هذه الجائزة في اكتشاف مواهب روائية مهمة ترسخ الكتابة السردية في اليمن. وأنوه بحضور دار عناوين بوكس، التي يديرها الكاتب صالح البيضاني في بعض معارض الكتاب العربية بإصدارات متنوعة تحسب لها من حيث الكثافة والتراكم، مع استمرار دار أروقة التي يديرها الشاعر هاني الصلوي في انتقاء ونشر الكتب بأفق مختلف سعيًا وراء جودة المضمون.
وأخيرًا، أعجبني تأسيس الشاعرة ميسون الإرياني مع آخرين لما أسموه بفريق “جيران”، وكذلك استمرار فعاليات نادي القصة في صنعاء الذي يجمع الشباب المهتمين بالأدب والسرد.
ومن التشكيليين الذين برز نشاطهم الفنان وليد دلة.
الكاتب طه العزعزي:
منتديات تكرر نفسها!
الأعوام منذ عام 2014 إلى عام 2022 كانت سيئة، وقد قضت على البنية الثقافية ودمرتها بشكل ممنهج. في هذا البلد، نحتاج إلى زمن يقدرُ فيه الإبداع، ونحتاج إلى ثقافة كافية لطرد هذا الملل الذي استوحشت تلقيناته أحاديث وفعاليات المنتديات الأدبية المقامة والمتكررة بشكل تقليدي كل عام.
عن “العربي الجديد “ضفة ثالثة”